الطَّلاقُ الصامِتُ.. خطرٌ يتسلَّل الى الحياة الزوجيَّة المرتبِكة

ريبورتاج 2019/01/08
...

بغداد/ فجر محمد
قد تنتهي الحياة الزوجيَّة فعلياً لكنها تبقى قائمة قانونياً، هكذا عاشت الثلاثينية (أ، ج) حياتها مع زوجها الذي ارتبطت به عن قناعة ظناً منها كما تقول: "إنهما بمرور الزمن سيتعودان على بعضهما البعض، إذ كان زواجهما تقليدياً فعائلتاهما كانتا صديقتين مقربتين لبعضهما البعض لذلك قررت الأسرتان أنْ يرتبط ولداهما وتم هذا الأمر ومرَّت السنوات وغابت لغة الحوار بيننا أنا وهو، إذ لطالما جلسنا لساعات طويلة من دون حديث أو قاسم مشترك ولا يجمعنا سوى الولدين اللذين أنجبناهما، وكم حاولت الانفصال عنه لكنَّ هذا الأمر لم يتم، إذ قوبل بالرفض من قبل العائلة".
الباحث بالشؤون الاجتماعيَّة ولي الخفاجي، أشار الى أنَّ هناك "مصطلحاً جديداً ظهر في علم النفس وهو الطلاق الصامت؛ أي أنْ تبقى العلاقة الشرعيَّة قائمة ولكنْ لا توجد أية مشاعر أو تواصل إنساني واجتماعي بين الزوجين، وأسباب هذا الانفصال متعددة ولكنَّ أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي وعلى وجه الخصوص (الفيسبوك) الذي أصبح يأخذ وقتاً طويلاً من الأزواج والأولاد والمراهقين، ويبعدهم عن جوِّهم الأسري الحميم، فضلاً عن التوتر الذي يعصف بالعلاقات الزوجيَّة من شأنه أنْ ينعكس على الجو العام في المنزل فيؤثر في الأولاد بشكلٍ كبير، قد يؤدي بهم الى الهروب من المنزل أو التسول أو التسرب المدرسي، وأحياناً تسيطر لغة العنف على الطفل في تعاملاته اليوميَّة أو يقوم بالسرقة، وقد يتأثر مستواه الدراسي والعلمي بعدم الاستقرار الموجود في البيت بشكل واضح".
 
مؤشرات الطلاق
بحسب التقارير التي يقدمها أخصائيو الزواج والعلاقات في دول العالم المتطورة، فإنَّ هناك مجموعة من المؤشرات التي حالما تظهر في العلاقة الزوجيَّة فهي بمثابة ناقوس خطر ومنها مهاجمة الشخص لا الموقف، فعندما يبدأ أحد الطرفين بتوجيه أصابع الاتهام الى شريكه هنا لا بدَّ من الانتباه كي لا تصبح عادة لديه، أما المؤشر الثاني فهو الازدراء والتقليل من شأن شريك الحياة ونعته بألفاظٍ وأسماءٍ معينة قد تثير حفيظته وغضبه في الوقت ذاته، في حين من المفترض أنْ يبني الشريكان حياتهما الزوجيَّة بكل الاحترام والمحبَّة، أما المؤشر الآخر فهو لعب دور الضحيَّة والموقف الدفاعي ضد التصرفات والهجوم الذي قد ينشأ من الطرف الآخر لذلك لا بدَّ أنْ يعي كلا الطرفين أنَّ التصرَّف بمثاليَّة دائماً أمرٌ يكاد يكون مستحيلاً.
 
تماسكٌ أسري
بعد أنْ أجبرتهم الظروف لمغادرة مدينتهم بعد أنْ احتلها داعش اضطر تحسين كرم الى الرحيل الى إحدى الدول المجاورة حفاظاً على حياة أولاده الثلاثة وزوجته ويقول تحسين: "بين ليلة وضحاها وجدنا مدينتنا قد تحوَّلت الى خراب ودخلها الدواعش وسفكوا الدماء فيها من دون رحمة، لذلك هربت بعائلتي الى إحدى الدول المجاورة وأدخلت الأطفال الى المدارس وعشنا فيها فترة استقرار، وبعد أنْ تم تحرير المدينة قررت العودة لكنَّ الأطفال وزوجتي فضَّلوا البقاء ورفضوا العودة الى الديار، لكني أصريت على العودة لذا تركتهم بعهدة شقيقي وعائلته وأنا الآن أقوم بزيارتهم كلما سنحت لي الفرصة".
الباحث بالشؤون الاجتماعيَّة ينصح الأسرة بأنْ تحاول أنْ تظلَّ متماسكة حفاظاً على سلامة الأولاد وكي لا يتعرضوا لضغوط نفسيَّة وأيضاً كي لا يلجؤوا الى تكوين عالم خاص بهم، ما يؤثر سلباً في الترابط الأسري وعوضاً عن ذلك على رب الأسرة أنْ يخلق بديلاً يقرب أولاده منه، وأنْ يكون قريباً من زوجته ويشاركها اهتماماتها، وأنْ يكون هناك وقتٌ واحدٌ لتجمّع الأسرة حول المائدة كأنْ يكون وقت الإفطار أو الغداء، ومن المهم أنْ يبدي اهتمامه بأفراد عائلته وأخذهم في رحلات وسفرات ترفيهيَّة عوضاً عن الانطواء أو العيش بمفرده".
 
طلب التفريق
ومن وجهة نظر القانون، يرى المحامي يونس عيدان المحمداوي، أنَّ الرجل من حقه أنْ يقوم بتطليق المرأة إذا لم يعد متفاهماً معها، أما هي فيجب أنْ تثبت بالأدلة والبراهين أنَّ زوجها قد هجرها ولا يؤدي واجباته الشرعيَّة ولا مسؤولياته تجاهها وأولادها، وكثيراً ما تأخذ المرأة مدَّة طويلة لإثبات هذا الأمر لأنَّ المحاكم لا تتخذ القرارات المتعلقة بطلبات الانفصال من دون وجود الأدلة الدامغة على الهجر، وحينها تمنح الزوجة حق التفريق ويفرض على الزوج أنْ يقدم النفقة لها ولاولادها.
 
مودَّة ورحمة
القاضي ناصر عمران الموسوي، يبين أن المشرِّع القانوني لم يكن في تعريفه لعقد الزواج في المادة (الثالثة /الفقرة الأولى) من قانون الأحوال الشخصيَّة رقم 188 لسنة 1959 المعدل بعيداً عن متبنيات الرؤية الدينية وإنْ كان الجانب الموضوعي له حضوره، بحسب الرؤية الفكريَّة والسياسيَّة للمشرع الذي عرَّف الزواج بأنه (عقدٌ بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل) والرؤية الدينيَّة رؤية جذريَّة تعتمد منظومة متكاملة (عضويَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة) في النظرة الى العلاقة الزوجيَّة، فحين يقول تبارك وتعالى في سورة [الروم: 21]: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً.." إنَّ (عبارة لتسكنوا إليها) في النص القرآني تعني تحقيق الهدوء والطمأنينة والسكون، ثم ينتقل من حالة الخلق الى عبارة المودَّة وهي خلاصة الحب الذي يردفها عطفاً بالرحمة وهي المودة والمحبة المرتبطة بالإيثار، إن مناخات الوجود الالهي للعلاقة الزوجية (السكن والمودة والرحمة) ليست بعيدة عن رؤية المشرِّع القانوني الذي عدَّ الغاية من الزواج إنشاء رابطة للحياة والنسل وتتسع تلك الرابطة لتشكل المظهر الاجتماعي المتجسد للعلاقة الزوجيَّة التي تنتج النسل وديمومة العنصر البشري، فالرابطة الزوجيَّة الباحثة عن الحياة المشتركة لا تتوقف عند الزوجين بل تتسع لتكون أسرة ومجتمعاً.
إنَّ قانون الأحوال الشخصيَّة وهو مجموعة القواعد القانونيَّة التي تنظم علاقات الإنسان بأسرته وبالمجتمع وينظم شؤون الأسرة بدءاً من نشوئها بعد عقد الزواج وما يترتب عليه من حقوق لكلا الطرفين وواجبات وينظم انحلال العقد بالطلاق أو الوفاة، لذلك يحق لكلا الطرفين أنْ يحاول تنظيم حياته بالطريقة الصحيحة وإنْ لم يتمكنا من ذلك بمقدورهما إنهاء هذا الزواج.
 
الزوج الأعزب
لطالما عاش (ر، م) حياة صاخبة ومليئة بالعلاقات ولم يكن قادراً على تحمل أية مسؤوليَّة، إذ كان يعيش لنفسه فقط، وبعد الضغط العائلي رضخ الشاب لإرادة العائلة وتزوج من ابنة عمه ولكنه لم يتغير.
وتقول زوجته والدموع في عينيها: "عندما عرض علي (ر، م) الزواج وافقت بعد ترددٍ لأنني أعرف طبيعة ابن عمي ولكني استمعت الى المقربين مني وأخذت بنصيحتهم، إذ لطالما رددوا أنَّ الرجل يتغير بعد الزواج، ولكنَّ هذا الأمر لم يحصل، إذ حافظ على حياة العزوبيَّة ولم يشاركني في إدارة المنزل أو تربية الولد الذي أنجبناه، كنت دائماً أشكو من حاله هذه لكن من دون جدوى، ولم أجد منه الاذن الصاغية لذلك توليت شؤون المنزل بمفردي".
الباحث بالشؤون الدينيَّة ورجل الدين الشيخ حسام البغدادي، بين أنَّ "هناك الكثير من الأزواج الذين يلجؤون الى هجر زوجاتهم والعيش كما لو كانوا عزاباً لعدم وجود توافق أو تفاهم معهن، فعوضاً عن تطليقهن يقومون بهجرهن وهذا وفق الشريعة الإسلاميَّة جائزٌ لتأديبهن على أنْ تتم معاملتهن بالحسنى، ولكنْ بصورة عامة الحياة غير المستقرة التي قد يعيشها الطرفان سيكون تأثيرها الأكبر في الأولاد والحالة النفسيَّة للزوجين".
 
الشخصيَّة المتسلِّطة
بأعصابها المتوترة على الدوام ولسانها السليط الذي لم يكنْ ليسلم منه أحد عاشت الأربعينيَّة (م، ع) مع أسرة زوجها ثماني سنوات عانت خلالها الأسرة من مزاجها المحتد على الدوام وبعد شجار عنيف رجَّ أركان المنزل قرر زوجها أنْ ينتقل بها الى بيت جديد تكون فيه وحيدة مع طفليها، تروي تلك الحكاية الشقيقة الكبرى للزوج قائلة: "لم يتسن لأخي أنْ يتعرف على شريكة حياته بشكل جيد بسبب فترة الخطوبة القصيرة التي لم تستمر سوى بضعة أسابيع، وهكذا تم الزواج لنكتشف في ما بعد أنها صاحبة شخصيَّة متسلطة ولا تحترم أحداً، ومرَّت الأيام وأصبحت تفتعل الشجار لأتفه الأسباب ليس فقط مع زوجها بل مع أفراد العائلة برمتها".
البغدادي أشار الى أن هناك نساءً تصعب معاشرتهن إما لسوء أخلاقهن أو لسلاطة لسانهن أو عدم احترام أزواجهن، لا سيما عندما تتقدم بالعمر والعكس صحيح أيضاً، إذ يوجد الكثير من الرجال الذين لا يعاملون نساءهم وأولادهم بالحسنى والاحترام، والتعامل اليومي في البيت ومع الزوجة والأبناء يرجع الى مستوى ثقافة رب الأسرة ووعيه، لذلك لا بدَّ أن يحاول الزوجان أن يخلقا جواً أسرياً يسوده التفاهم والاحترام حرصاً على أبنائهم من الضياع".