شمخي جبر
أرسلت المرجعيَّة الدينيَّة من خلال بيانها الذي أصدرته يوم الأحد الموافق (14 أيلول الحالي) بعد زيارة مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت لسماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني، عدة رسائل سياسيَّة مهمة مثلت خارطة طريق للواقع السياسي وهو يمرُّ بعدة اختناقات ربما أهمها استحقاق الانتخابات المبكرة ومستلزماتها ومتطلباتها السياسيَّة والأمنيَّة واللوجستيَّة في ظل عدم وجود إرادة سياسيَّة حازمة لمواجهة هذا الاستحقاق.
إذ لم يكتمل قانون الانتخابات في جداوله الملحقة منذ التصويت عليه في 24 أيلول 2019، فضلاً عن أزمة قانون المحكمة الاتحادية الذي مضى عليه ردحٌ طويلٌ من الزمن وهو يراوح بين اللجان البرلمانيَّة وهيئة الرئاسة.
منذ أكثر من (8 أشهر) أكدت المرجعيَّة ضرورة إجراء الانتخابات المبكرة وأهميتها في إشراك المواطنين في بناء البلد والإسهام بعملية الإصلاح من خلال التعبير عن إرادتهم، إذ جاء في خطبة المرجعية في 31 كانون الثاني 2020 (إنّ الرجوع الى صناديق الاقتراع لتحديد ما يرتئيه الشعب هو الخيار المناسب في الوضع الحاضر، بالنظر الى الانقسامات التي تشهدها القوى السياسيَّة من مختلف المكونات، وتباين وجهات النظر بينها، بينما يحظى بالأولويَّة في المرحلة المقبلة، وتعذر اتفاقها على إجراء الإصلاحات الضروريَّة التي يطالب بها معظم المواطنين، ما يعرّض البلد لمزيدٍ من المخاطر والمشكلات، فيتحتم الإسراع في إجراء الانتخابات المبكرة ليقول الشعب كلمته ويكون مجلس النواب المقبل المنبثق عن إرادته الحرة هو المعنيّ باتخاذ الخطوات الضروريَّة للإصلاح وإصدار القرارات المصيريَّة التي تحدد مستقبل البلد، لا سيما في ما يخص المحافظة على سيادته واستقلال قراره السياسي ووحدته
أرضاً وشعباً).
وقد حذرت المرجعيَّة في بيانها الأخير من مغبة تأخير الانتخابات أو عدم توفير مستلزماتها ومناخاتها الإيجابيَّة التي تؤمن نزاهتها وشفافيتها (إنَّ الانتخابات النيابيَّة المقرر إجراؤها في العام المقبل تحظى بأهمية بالغة، ويجب أن توفر لها الشروط الضروريَّة التي تضفي على نتائجها درجة عالية من المصداقية، ليتشجع المواطنون على المشاركة فيها بصورة واسعة. ولهذا الغرض لا بدَّ من أنْ تجرى وفق قانون عادل ومنصف بعيداً عن المصالح الخاصة لبعض الكتل والأطراف السياسيَّة، كما لا بدَّ من أنْ تراعى النزاهة والشفافية في مختلف مراحل إجرائها) وإشراك بعثة الأمم المتحدة في الرقابة والإشراف مؤكدة أن دون هذا هو تعميق لمشكلات البلد وتهديد وحدته ومستقبل شعبه..
كما دعت المرجعية الى بناء دولة القانون والمؤسسات وحفظ هيبة الدولة من خلال (سحب السلاح غير المرخص فيها، وعدم السماح بتقسيم مناطق من البلد الى مقاطعات تتحكم بها مجاميع معينة بقوة السلاح تحت عناوين مختلفة بعيداً عن تطبيق القوانين النافذة).
كما أشرت المرجعية حالة الفساد المستشري في جسد الدولة ودعت الى محاربته (والحكومة مدعوّة أيضاً الى اتخاذ خطوات جادة واستثنائيَّة لمكافحة الفساد وفتح الملفات الكبرى بهذا الشأن حسب الإجراءات القانونيَّة، بعيداً عن أي انتقائيَّة، لينال كل فاسد جزاءه العادل وتسترجع منه حقوق الشعب مهما كان موقعه وأياً كان داعموه».
كما دعت المرجعيَّة جميع الكتل والأحزاب الى حماية السيادة الوطنية وعدم التفريط بها، مؤشرة أنَّ هذا لا يمكن أنْ يتم (في ظل تضارب الأهواء والانسياق وراء المصالح الشخصيَّة أو الحزبيَّة أو المناطقيَّة، فالمطلوب من مختلف الأطراف الارتقاء الى مستوى المسؤوليَّة الوطنيَّة وعدم التفريط لأي ذريعة بسيادة البلد واستقراره واستقلال قراره السياسي). خارطة الطريق التي رسمتها المرجعيَّة تحتاج لإرادة سياسيَّة حقيقيَّة لتحولها الى برنامج إنقاذ يتفق عليه الجميع.