ليف اولمان تتغيّر

الصفحة الاخيرة 2019/01/08
...

علي حمود الحسن
انتهيت قبل أيام من قراءة مذكرات الممثلة والمخرجة النرويجية ليف اولمان(81) عاما، المولودة في اليابان من ابوين نرويجيين في العام1938، وعاشت أحلى أيامها وأثراها، واحيانا أتعسها؛ متنقلة بين موطنها النرويج والسويد وأميركا وكندا، لم تكن ليف الشهباء صاحبة القوام النحيل والمنطوية على نفسها، جميلة بمقاييس هوليوود، لكنها ولفرط حساسة وموهبة؛ اذ مشت على حجر تترك اثرا، شغفت بالمسرح والسينما والكتابة، التقت المخرج السويدي الشهير انغمار بيرغمان، فوجد فيها خلاصا لروحه التي تنوء بذنب اوربا الكبير واسئلة الوجود المحيرة، فأخرج لها أكثر من عشرة أفلام ابرزها: " ساعة الذئب"(1968)، و" العار(1968)، و"صرخات وهمسات"(1972)، وجد فيها مصدر الهام لرؤاه، فتشاركت مع بيبي اندرسون وانغريد بيرغمان، لتجسد رؤاه وهمساته التي لم يجد غير حميمية الانثى وسيطا اثيرا للتعبير عنها، فالأنثى غير الرجل، هو يصرخ  وهي تهمس، قبل ذلك تزوجها وانجب ابنتهما الوحيدة لين، ثم انفصلا بعد خمسة عشر عاما من الحب والالهام والغيرة، وكمجنونين جلسا بحضرة مستشار الزواج متشابكي الايدي، فسألهم لماذا ترغبان بالانفصال وانتما بكل هذه الحميمية؟، اجاباه وهما يبتسمان: " لهذا السبب بالضبط"، ظلا صديقين حميمين يجمعهما شغف السينما والمسرح ولعبة الحياة التي اجادها ملهمهما اوغست ستريندبرغ - ستخرج له فيما بعد فيلمها المهم "مس جوليا"(2014)- غمرتها أضواء الشهرة وحصلت على جائزتي أوسكار، متنقلة بين عواصم الدنيا، فدفعت استحقاقات الشهرة الباهظة التكلفة، لكنها ظلت محافظة على خيط حريري يربطها بأسرتها الصغيرة ومسراتها، التي تعافها نجمات هوليوود وغانياتها، وعلى الرغم من انشغالاتها السينمائية، لكنها لا تنسى المسرح عشقها الأول؛ فجسدت شخصية  نورا في "بيت دمية" ابسن، ورددت معها :" انا أولا وقبل أي شيء، كائن بشري".
أخرجت بطلة فيلم "برسونا" خمسة أفلام بعد ان فقدت رغبتها بالتمثيل، منها: “الخائن"(1982)، وصوفيا (1992)، و "حب" (1982)، وعلى الرغم من خبرتها ونضج تجربتها، الا ان تأثير المعلم بيرغمان القى بظلاله على اسلوبها الاخراجي، فهو من وجهة نظرها الأفضل والأكثر قدرة على "استكناه خفايا النفس البشرية"، ومن وجهة نظر اولمان، فإن التمثيل يقود الى الإخراج على الأقل بالنسبة لتجربتها، فهي تعتقد انها " تستطيع ان تسرد القصص بلا تمثيل". 
هذه الانثيالات راودتني وانا انهي مذكرات ليف اولمان المعنونة بـ "اتغيّر" الصادرة عن دار المدى في العام 2016بقلم الترجمان أسامة منزلجي، الذي سطر أفكار ورؤى صاحبة "وجه لوجه" بأسلوب ادبي آسر وممتع، وقد تبدو مفارقة ان القارئ الذي يعرف أي حياة صاخبة وحافلة عاشتها اولما، لا يجد غير تأملات في الحياة والحب والموت والصداقة، فضلا عن الفن والجمال، تختتم ليف اولمان مذكراتها بجملة؛ ربما هي ذات كلمات بيرغمان: " لعلّ ما أفتّش عنه على الدوام، هو مملكة الطفولة الضائعة"