سعد هدابي: كورونا أنتج ما هو مضمر من العلاقات الاجتماعية في ظل الحجر الصحي

ثقافة 2020/09/16
...

  البصرة: صفاء ذياب
 
لم يتوقف الكاتب سعد هدابي عند كتابة النص المسرحي، على الرغم من حصوله على جوائز عدة في هذا الفن، منها: جائزة الإبداع الكبرى في الشارقة عن مسرحية (نزيف المومياء) 2000، وأفضل نص عن مسرحية (وكفى بك وجداً) في مهرجان ربيع المسرح العربي 2013، وجائزة أفضل كاتب للعام 2015 عن مسرحية (ذات دمار)، وغيرها الكثير من الجوائز، لكنه اهتم أيضاً بالكتابة للتلفزيون والسينما، فشارك في مهرجانات عراقية وعربية وحصد الكثير من الجوائز.
هذا التنوع لدى هدّابي- المولود في العام 1962 في الديوانية- جعله من الكتّاب والممثلين الأوائل عراقياً، فوجوده يضيف لمسة جمالية في أي مهرجان.. كل هذا أعطاه الغنى في الإنتاج، حضور أنيق في الفعاليات.. فعن المسرح العراقي، وتحولات حياتنا الجديدة، كان لنا معه
هذا الحوار:
 
* الحياة مسرح، كوميديا، تراجيديا.. ما الذي قدّمه مسرحنا العراقي لحياتنا العراقية التي من الصعب فهمها؟
- المسرح بوصفه ظاهرة تواصلية معني في مواكبة حركة الحياة بكل انعطافاتها وتحولاتها. والمسرح قدّم الكثير من خلال قراءته للواقع وإعادة صياغة الحياة بما ينبغي أن تكون عليه، فعبر مراحل قافلة المسرح التي تمخر عباب الظروف التي تتوالد في مسيرة الزمن نراها تمر بكل منعطف وزقاق، وبكل ما يجهد إنسانيتنا. إنه مسرح حي ومتعدد الخطاب تنخفض مناسيب إسهاماته في حياتنا وتعلو طبقاً لثقافة المجتمع وتطلعاته، ففي السابق ومع كل إنشاء لمدرسة ابتدائية هنالك قاعة مسرح ونشاط مسرحي طلابي، وهذا الأمر بحد ذاته كان يزرع البذرة الأولى لأهمية المسرح في حياتنا، وصار يشكّل نبضاً في مجملها، لأننا ألفناه في مطلع حياتنا ونعرف أبعاده وأهميته وهو يواكب حركة الحياة سياسياً واقتصادياً وفرجوياً.. وبعض من هذه الاعمال حرّكت الراكد ودفعت بنا إلى بلورة توجّهاتنا لأنه يشكّل سؤالاً ملحّاً يحتاج منا لإجابات عند نهاية كل عرض.
من جانب آخر، ما زال المسرح العراقي يبحث عن أطر العلاقة بينه وبين المتلقي ليلعب الدور المؤثّر في عملية إنتاج الأفكار ومسرحة قضايانا.
وقد يبدو واقعنا ملغوماً بالتناقضات والتحولات، وهذا الأمر بحد ذاته شكّل مساحة بحث للمشتغلين في كيفية التعاطي مع ما هو مستجد، لذلك برز دور مسرح الشارع.. المسرح الذي صار يفتّش عن الجمهور، إينما تواجد وبشكل عشوائي ليقدّم عرضاً تفاعلياً يقوم على جدلية المماحكة ميدانياً. وهذا ما شهدناه في ساحات التظاهر، وكيف أن المسرح اهتم بقضايا الإنسان حتى صار يشكّل صوتاً يتناغم مع فعله الهتافي بعيداً عن العلب الإيطالية المغلقة. وقد قدمت أكثر من نص مسرحي في كل محافظات العراق وفق استثمار 
البيئة والظرف. 
 
* ما زال العديد من مسرحيينا يعيدون التجارب العالمية وتقديمها للمشاهد العراقي، أين تكمن هذه المشكلة: في المؤلّف أم المتلقي؟ ولماذا؟
- المثاقفة حالة صحية بحد ذاتها، لكني لا أجدها سائدة الآن في مسرحنا العراقي.. فقد أنتج هذا المضمار كتّاباً استطاعوا أن يثروا الساحة الفنية بنتاجاتهم، وأصبحت المسرحية العراقية أكثر حضوراً من خلال العديد من المهرجانات التي تؤكّد على أن يكون النص لكاتب عراقي وبذلك تجد في كل مهرجان ولادة كتّاب جدد. أما ما يقدّم بين حين وآخر من نصوص عالمية، فهو دليل عافية واتساع معرفي لاسيّما في المعاهد والكليات، ولا أرى مشكلة في ذلك لأنّنا غير منعزلين عن دائرة الحياة.
أضف إلى ذلك أن المناهج التدريسية الأكاديمية تعتمد على أصول ونشأة المسرح عند الإغريق والرومان والأزمنة المتعاقبة حتى يومنا هذا، لذلك من الطبيعي أن تكون هنالك صلة بين ثقافات العالم لمعرفة الحقول المعرفية لمسرح عالمي نحن معنيون بكل تفرّعاته ومذاهبه والمشتغلين فيه.. ففي كل عام يقدّم المشتغلون في المسرح عشرات الأعمال لكتّاب عراقيين حتى صار النص العالمي يعاني من ضيق المساحة بتجارب متباعدة وعادة ما يتم تعريق هذا النص او إعداده ليلامس الواقع العراقي ويشكّل صلة لهذا الواقع الذي تختلف معاناته عن طبيعة النص العالمي الخام الذي كتب باشتراطات واقعه.
 
* لدينا تجارب فردية قدّمت أعمالاً مهمة منذ بداية المسرح العراقي وحتى الآن، غير أن هذه التجارب لم تشكّل سياقات ثقافية ما سبب ذلك؟
- ليس بالمطلق.. فهنالك تجارب أغنت الواقع المسرحي وشكّلت علامة مضيئة ولها تاريخ وفيها تأصيل. وهنالك تجارب لا تحمل بذور خلودها كون المشتغلين فيها محدودي النظرة والخيال. ومن الطبيعي أن ترى تفاوتا كهذا، لكن تبقى النقاط المضيئة هي المعوّل عليها لأنها رصينة وجادة وتعتمد على منهج بحثي في تأطير العلاقة بين الفاعل والمتلقي.. كما أن الكم هو من يخلق النوع، وهذا يأتي من خلال المهرجات التي تبرز لنا عروضاً مهمة تحمل سمات التجريب شكّلت سياقات ثقافية وأسهمت في خلق الحياة بما ينبغي أن تكون عليه، أما كيف نفعل هذه السياقات الثقافية، فعلى المؤسسات أن تتكاتف لبلورة استعدادنا المعرفي، ويدعم هذا التكاتف إعلامياً وإنتاجياً ثقافيا.. كل ما حولنا ينبغي أن يدفع بعجلة الثقافة وبشكل تضامني ليكون المسرح رافداً من روافد حياتنا وتطلعاتنا.
 
* منذ الثمانينات قدّمتَ أعمالاً في المسرح والسينما والتلفزيون كيف نفهم هذا التنوع عندك؟
 - أجدني معنياً بكل ما هو مرئي ومسموع في فن الإظهار.. بطبيعتي منشطر على نفسي، أجد أن المواضيع لا يمكن حصرها في قالب درامي واحد، بل هي من يحدد طبيعة المنجز، فالبعض منها يتنفس من خلال المسرح، والبعض الآخر من خلال التلفزيون والسينما. ينبغي على الكاتب أن يعمل بالقوالب كلها تحقيقاً للمنجز الإبداعي، من هنا جاء اهتمامي بالبحث في طبيعة هذا التنوع والعمل من خلاله، لهذا كتبت العديد من الأعمال التلفزيونية عراقياً وعربياً وفي المسرح.. إنه تنوّع إرادي وقصدي وفق اشتراطات المنجز وصيرورته.
 
* من النادر أن تخرج في أي مهرجان من دون جائزة على مستوى التأليف والإخراج ما الذي قدمته لك هذه الجوائز؟
- الجائزة تؤكّد أنّك على الطريق الصحيح، وهي بذات الوقت تأكيد حي على مواكبتك حركة الفن والبحث عن كل ما هو جديد.. وبالتأكيد، إن الجائزة دافع يبعث فيك أمل التميّز ويؤكّد سعيك الحثيث في أن تنظر إلى طبيعة منجزك من زاوية مختلفة في كل مرة لتأتي بالجديد، ومع كل جائزة يستبد بي القلق، إنه قلق مشروع في أن أحافظ على أحقّيتي في جائزة أخرى ويستمر هذا القلق لحظة التفكير في كتابة منجز جديد، إنها عملية شاقّة ومضنية ومختبرية.. أعمل جاهداً في هيكلية الخطاب وأصغي كتلميذ إلى كل آراء فريق عملي، فالرؤية الجماعية رؤية تحمل بذور تأصيلها بغية الوصول إلى ذروة ما نتمناه عبر عملية نحتية، وعادة ما يكتب النص في أثناء البروفات، فالفن اكتشاف لحظوي وسعي متطور بين البناء والهدم لإدراك الحد الأدنى من الرؤية المثلى لنقطف ثمار جهودنا في النهاية عبر جائزة تؤكّد أننا موجودون على خارطة الأشياء.
 
* غيّرت الظروف الأخيرة وانتشار فيروس كورونا من حياتنا المسرحية، فبحث المسرحيون عن تقنيات جديدة لتقديم أعمالهم، ما الذي فعله الفيروس بحياتنا الفنية؟
-  فيروس كورونا جعلنا نعيد ترتيب أوراقنا من جديد، وأن نسعى لإيجاد البدائل بغية التواصل، فشاركنا في البرامج الافتراضية عربياً وعراقيا كان آخرها الندوة العربية لمسرح الشارع، ومن ثم فإن موضوعة الفيروس دفعت بنا إلى دراسة الوضع النفسي والاجتماعي في ظل الحجر، فكتبنا نصوصا تتلاءم وطبيعة الظرف، فضلاً عن مشاركاتنا في العديد من المهرجانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هذا الفيروس ألقى بظلاله على الواقع، فأنتج ما هو مضمر من العلاقات الاجتماعية في ظل الحجر الصحي.. مما ظهر لدينا الوجه الحقيقي لمشكلات كانت مدّخرة وراكدة أيقظها الظرف فأنتج نمطاً من علاقات جديدة.. إنها علاقات تحتاج منا إلى دراسات سايكولوجية لكي نأطّرها درامياً عبر قصص غاية في الغرابة، كورونا كان مبعثا
للشائك منها.
 
* هل من جديد لديك في المسرح؟
- صدر مؤخّراً كتاب بعنوان (قصة حب وثنية) عن دار نيبور يضم عدداً من النصوص المسرحية ومن بين هذه النصوص موضوعة جائحة كورونا.