فرس معصوبة العينين

اسرة ومجتمع 2019/01/08
...

عدوية الهلالي
تألمت انتصار كثيرا عندما كان عليها أن تعطي طفلها الصغير دواءه ونسيت أي القنينتين للمساء وأيهما للصباح وكان يمكن ان تتعرف على ذلك ببساطة لو كانت تعرف القراءة، فقد كتب الطبيب ملاحظاته على ظهر كل قنينة، كما ان زوجها غائب عن المنزل، وقد تأخر في العودة من عمله ..انتظرت زوجها فوصفها بالبلادة وقلة الانتباه وهو يستعرض أمامها قدرته على قراءة ملاحظات الطبيب ويمنح ابنه الدواء مع قدر كبير من ( المنية) ..
كانت نظرية والدها تتلخص في ان مكانها هو المنزل فمنعها من الذهاب الى المدرسة كأشقائها، وهي تتذكر جيدا كيف حاولت أن تتعلم القراءة والكتابة بمساعدة زوجها فرفض رفضا قاطعا وقال لها انه لو كان يريد الزواج من امرأة متعلمة لفعل ..لكنه يريدها هكذا ..امرأة خام !!
حاولت آنذاك ان تنسى رغبتها الشديدة بتعلم القراءة والكتابة لكنها تعود فتتأجج كلما احتاجت الى (فك الخط)وهي تأخذ ابنها للطبيب أو تذهب الى السوق او تتفرج على التلفزيون واكثر من ذلك حين يقصدها ابنها ليطلب منها مساعدته في فروضه المدرسية كما تفعل امهات اصدقائه ..
انتصار هي واحدة من آلاف النساء العربيات اللائي لايجدن القراءة ويجهلن الكتابة ويخضن في مضمار سباق الحياة كفرس معصوبة الأعين في زمن العلم والتكنولوجيا والحضارة ...وفيما تسعى معظم دول العالم الى تطبيق قوانين صارمة لتحديد النسل لضمان تقليل تكاليف المعيشة والاهتمام ببرامج اكثر فائدة كبرنامج محو الامية مثلا، مازال السكان في العراق وبخاصة في المجتمع الريفي يتبارون في الانجاب لحاجتهم الى ايدي عاملة بغض النظر عن مستوى تعليم الابناء وهذا 
ماخلق اجيالا كاملة من الاميين، رغم ان معظم الدول ألغت كلمة امي او غير متعلم من قواميسها وبدأت تسمي الذين لايجيدون لغة الحاسوب والانترنت بالأميين وتسعى لتعليمهم !!
وبعد ان تمكنت العديد من النساء العراقيات من الحصول على فرصة ( فك الخط) التي وفرتها لهن حملات محو الأمية والتعليم الالزامي في سنوات السبعينات ومابعدها، أسهمت حروب الطاغية في تفرغ النساء لرعاية الاولاد والعمل أحيانا لسد فراغ الرجال، وصار تدبير لقمة العيش أهم بكثير من الجلوس على مقاعد محو الأمية، ولكن، تبقى الحاجة قائمة الى تعلم القراءة والكتابة في كل الظروف لتتمكن المرأة من القيام بدور فاعل في تنشئة الجيل ومواكبة التطور الحضاري الذي يشهده العالم، مايعني ضرورة الاهتمام بمحو أمية المرأة واعادة تطبيق التعليم الالزامي لكي لاتفقد أم طفلها لجهلها بالدواء المناسب له لمجرد أن تبقى في نظر البعض ( امرأة خام)!!.