عباس الصباغ
لم يعد سراً القول بأنَّ الموازنة المالية لم تعد تتمتع بالسيولة النقدية الكافية التي كانت تتمتع بها قبل سنة 2014 ، وهي السنة التي شهدت الغزو الداعشي على الأراضي العراقية وما لحق به من تداعيات مؤلمة، كما تزامن ذلك مع بدايات تذبذب أسعار النفط في السوق العالمية هبوطاً ولم يستردّ عافيته حتى الآن، ولا يخفى عن الجميع الاعتماد شبه الكلي في تمويل الموازنة على عائدات النفط وارتهان الاقتصاد العراقي الريعي بمناسيب العرض والطلب وتضارب السياسات النفطيَّة، الذي وضع مبرمجي الموازنة بين مطرقة أسعار النفط المتذبذبة وغير المستقرة، وبين سندان تزايد أبواب الصرف المستمر.
والسبب أنَّ موارد الموازنة المتأتية أغلبها من النفط لم تعد تكفي لتغطية الجانب التشغيلي، فضلا عن الاستثماري منها، بينما كانت في السابق تغطي بعض الشيء جانبي الموازنة (الاستثماري والتشغيلي) تقريباً مع استحواذ الجانب التشغيلي منها على حصة الأسد بسبب الترهل الحاصل في الجهاز الوظيفي للدولة، وهذه التغطية تكون على حساب الجانب الاستثماري منها، وهذا يعدُّ خللاً في تغطية أبواب الصرف، إذ يجب أنْ يأخذ الجانب الاستثماري حقه كاملاً؛ لأنَّ فيه ما يديم وتائر التنمية والاستثمار وخدمات البنى التحتيَّة المتعلقة بحياة الناس، ولكنَّ الذي حصل أنَّ موارد الموازنة وفي حالة عدم وجود عجز ترليوني كبير فيها ـ فتسيّد هذا الجانب على أبواب الصرف في الميزانية التشغيلية بالذات وتسيّد التشغيلية على الميزانية الاستثمارية عموماً ـ صار يستدعي من مهندسي الموازنة أنْ يعيدوا حساباتهم حيالها، والحل يتأتى في الدرجة الأساس من تنويع مصادر التمويل المالي الواقعي وبتفعيل وتنشيط البرامج الميدانيَّة لقطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والاستثمار، فالعراق من الناحية النظريَّة يمتلك الكثير من الموارد كالسياحة بمختلف أنواعها، فضلاً عن المعادن المختلفة والمساحات الشاسعة القابلة للاستثمار الصناعي والزراعي، ناهيك عن الموارد البشرية التي يمكن أنْ تدخل في منظومة التطوير والاستثمار، علاوة على تفعيل مصادر استخراجيَّة أخرى تكون مرادفة للنفط وظهيراً له كالفوسفات والغاز، ووصولاً الى الجانب الزراعي الى درجة الاكتفاء الذاتي قدر الإمكان لمنع تسرب العملة الصعبة من جهة ولتشجيع الزراعة/ الصناعة الوطنية من جهة ثانية، مع وجوب احتساب نصيب الأجيال العراقية اللاحقة من حقها في كل ما تقدم من الثروات وذلك بإنشاء
(صندوق نفطي سيادي).
ومن جملة الحلول المطروحة لتوازن كفتي الصرف هي التحول التدريجي للاقتصاد الوطني العراقي من ريعي الى إنتاجي وتنويع مصادر هذا الإنتاج؛ أي تحويله من اقتصاد استهلاكي الى اقتصاد إنتاجي وتحرير الاقتصاد العراقي من رهنه بالنفط، والاهتمام بالقطاعات المساندة للنفط، وتهيئة المناخ المناسب للاستثمار فتتطلب تشريع القوانين وإصدار القرارات التي من شأنها أنْ تجذب الشركات الاستثماريَّة ورؤوس الأموال الى البلد ولا تزال الكرة في ملعب البرلمان.