1 - فريق الـ F.B.I
كانت آلة (الكونترباس) تنام منكفئة قرب سرير السيد بول بريمر الصغير في تلك الغرفة المعدة لراحته والتي تقع عند قصر النهاية، لا احد يعرف بالطبع عن الكيفية، التي وصلت بها هذه الآلة الى هذا المكان الموحش، لقد غلفت بعناية فائقة بكيس من الخيش واستدارت نحو الشباك، اثناء الليل وحينما كان السيد يحاول النوم جراء الاجهاد الذي يتعرض له في اثناء النهار، وفي اللحظة التي يداعب الكرى جفنيه المتعبين، كان يسمع انينا قاتلا يجعله يقفز فزعا من سريره ويبدأ بالصراخ كالملسوع، يتجمع الحرس حوله في محاولة للتعرف على مصدر القلق والصراخ، لكن السيد سرعان ما يصمت لشعوره بالخجل من فزعه، شهورا ظل يتساءل، من اين يأتي هذا الصوت؟، هل هو من آلة الكونترباس ام جدران القصر؟ في المرة الاخيرة وحتى يخلد الى الراحة تماما، امر حراسه ان يتخلصوا من هذه الآلة ويقذفوا بها الى خارج القصر، تم له ما اراد.
لا يخفى على الجميع ان من ضمن واجبات واولويات السيد بول بريمر والتي اعتاد عليها كل ليلة هو ان يكتب لزوجته خطابا يحدثها عن مجمل الاعمال التي يقوم بها، تفرح الزوجة وتحثه الى المزيد، في اخر الليل وكعادته وضع جهاز «اللاب توب» في حجره واراد ان يكتب لها شيئا لكنه صرخ فزعا، تجمع الحرس حوله، راح يتنفس بصعوبة بالغة، هرع اليه البعض في محاولة لمعرفة سبب الفزع لكن دون جدوى، لم يستطع الحديث واشار باصبعه الى شاشة اللاب توب حيث آلة الكونترباس تملأ الواجهة، لا احد يعرف بالضبط كيف دخلت هذه الالة الى الشاشة، لكن بعد ان تم تجنيد فريق عمل من الـ(F.B.I) توصلوا انها تعود الى العازف قاسم عبيد الذي كان يعمل في فرقة التلفزيون الموسيقية فترة خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، وأضافوا في تقريرهم ان من اهم ماكان يميز قاسم عبيد طوله الفارع والذي يفوق آلة الكونترباس بقليل، اما الميزة الاكثر اثارة فيه ابتسامته العريضة طوال الفترة التي كان يعزف فيها، صادر فريق الـ(F.B.I) آلة الكونترباس وجاء الامر باتلافها، لكنهم بالمقابل عجزوا عن ازاحتها من شاشة اللاب توب الخاص بالسيد بول بريمر، اقترح احدهم ان يتم استبدال جهاز اللابتوب، تم ذلك بسرعة فائقة، لكن الامر اصبح اكثر تعقيدا الآن، فلقد ظهرت آلة الكونترباس مرة اخرى وغطت الجهاز الجديد، فريق الـ ( F.B.I ) وحتى ساعة اعداد هذا التقرير لم يتوصل الى الكيفية التي يجب فيها التخلص من آلة الكونترباس والتي كانت تخص العازف قاسم عبيد، الذي كان يعمل عازفا لها في فرقة التلفزيون نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن المنصرم تحديدا والذي كان كثير الابتسام.
-2 الشماعية
دلف السيد بول بريمر الى مستشفى المجانين (الشماعية) ليتعرف عن كثب على حياة المرضى هناك، خاصة ان الشائعات دارت حول هروب الكثير منهم، ليتسنى لهم المشاركة في عملية الاستيلاء على مخازن علب السكائر الموجودة في شارع الكفاح، عند اول دخوله اثار انتباهه رجل يجلس القرفصاء يحاول جاهدا ان يحرر خطابا، توقف عنده وسأله ماذا يفعل؟، اجابه الرجل بأنه يكتب خطابا الى السيد عبدالكريم قاسم، لأنه اعاره مبلغا من المال اول من امس حينما جاء يتفقدهم، المبلغ يقدر بـ( 25 فلسا)، لكن سيادته لم يحضر الى الان حتى يرد ما بذمته، وهو اي الدائن كف عن السؤال حتى العام القادم (الحقيقة ان الرجل قد فاته بان السيد عبدالكريم قاسم لا يزل يعمل معلما في الصويرة ومن الصعب الحضور، لأنه منهمك مع الطلبة في التحضير للامتحانات النهائية) ولكنه اكتفى بتحرير خطاب يومي يذكر بالمبلغ، لأن الزعيم من عادته النسيان، اثناء الحديث لاحظ السيد بول بريمر ان يد الرجل القرفصاء مثقوبة وبالكاد تقوى على حمل ورقة، بادره بالسؤال عن سبب ذلك؟، اجابه من شدة ضرب الكرة الطائرة اثناء اللعب، ومتى حدث ذلك سأله السيد بريمر؟ اثناء ضربي للكرة الطائرة، اقصد في اي زمن حدث ذلك؟، سأل السيد بريمر، في الزمن الذي يفصل بين خروج الكرة من يدي واندفاعها الى الخصم، احتار السيد بول بريمر ولم يستطع اكمال الزيارة وغادر مسرعا وربما غاضبا، عند البوابة الرئيسة تعلقت امرأة سوداء بحذائه المطاط وسألته، هل تعرف الاشياء التي لم تخرج من رحم؟ ارتبك السيد بول بريمر والتفت الى مساعديه طلبا للعون، لكن الحيرة عمت الجميع، لم يسعفوه، بادرت المرأة واسعفته، هي في الحقيقة اشياء كثيرة لكن اهمها، تمثال الحرية، وحمامات فايق حسن، ونظارة تشيخوف، والاسطبل الذي اعده السيد كاليغولا لوزرائه، وآلة الكونترباس التي كانت تخص العازف قاسم عبيد الذي كان يعمل عازفا لها في فرقة التلفزيون نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن المنصرم تحديدا والذي كان كثير الابتسام.