عبدالامير المجر
تابعت مؤخراً لقاءً على إحدى الفضائيات، محوره التطبيع مع إسرائيل، ولفت انتباهي أحد الضيوف وهو كاتب وإعلامي عربي معروف، حين قال إنَّ هناك تحولات حدثت ولا بدَّ للعرب أنْ يتفاعلوا معها، مذكراً بمرحلة ما بعد حرب العالم 1973 وحرب العام 1991 التي أفرزت واقعاً عربياً جديداً، وصولاً الى مرحلة ما بعد (الربيع
العربي).
مؤكداً أنَّ العالم كله تغير ولم يعد كما كان، ولا بدَّ من التفاعل مع الواقع الجديد.. كلامٌ دقيق ولا اعتراض عليه، لكنَّ مشكلة العرب أنهم في كل هذه المتغيرات، كانوا الضحية التي بني عليها ما هو جديد لغيرهم، بسبب عدم استثمارهم لثقلهم الاقتصادي وموقعهم الجيوسياسي المهم، ولو نسبياً، فبعد حرب تشرين 1973 لم يوحدوا موقفهم أمام العالم ويعلنوا رؤية موحدة لحل القضية الفلسطينية، وظلوا في جدال غير مثمر بين رافض للتسوية بشكل قاطع، وبين ذاهب إليها بحماسة، فأضعفوا أنفسهم جميعاً، وقدموا خدمة لإسرائيل من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وتكرر الأمر في الكوارث اللاحقة التي حلتْ بهم، ما يعني أننا باستمرار نجد أنفسنا نولدُ من جديد، لكنْ بحجم أصغر وعافية أقل مع قائمة جديدة من الأمراض، تضاف الى ما نعانيه سابقاً. مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عُقِدَ مؤخراً، لم يؤيد خطوة الإمارات في تطبيعها مع إسرائيل ولم يدنها أيضاً، وهذا يأتي في سياق المواقف الغامضة والمرتبكة للأنظمة العربية وغياب الشجاعة عندها في إعلان موقفها بشكلٍ واضحٍ وصريح. فالعرب ذهبوا الى مؤتمر (السلام) في مدريد العام 1991 بعد حرب الخليج، ووافقوا على حل الدولتين في مؤتمر القمة العربية العام 2002 في بيروت، ما يعني أنهم من الناحية المبدئيَّة موافقون على حل القضية الفلسطينية بالتفاوض، لكنهم في الوقت نفسه مختلفون في كيفيَّة التفاوض وعاجزون عن إفراز وفدٍ عربي مشترك يتحدث باسمهم جميعاً، ليضع عواصم القرار الدولي أمام مسؤولياتها، وليحرج إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، بدلاً من إعطائها فرصة التملص من القرارات الدولية الضامنة لحقوق الشعب الفلسطيني المقررة من قبل مجلس الأمن والأمم
المتحدة.
مأزقنا الحقيقي ليس في أعدائنا وخصومنا، بل في عجزنا البنيوي الذي يتمثل بتشرذم القرار وغياب التكامل في كل شيء، حتى باتت الجامعة العربية أشبه بتحفة أثريَّة، تذكّر شيوخنا بحكاية تأسيسها قبل ثلاثة أرباع القرن ويستعيدون من خلالها ذكريات صباهم التي ترافقت مع صبا الأمة أو ولادتها الجديدة بعد الحرب العالمية الأولى، حين كان أبناؤها مثقلين بالأحلام قبل أنْ تتبخر تدريجياً، وصولاً الى ما انتهينا إليه
اليوم.