الشريف الباسم صنو الحزن المقدس والسفر إلى المطلق، رحلاته مكوكية مابين البصرة وبغداد والسماء المفتوحة على مصراعيها، ومنذ المجاعة الأولى كنا نقتحم عباب الغبار مسافرين بحثا عن الرغيف، سنوات الحصار العجاف والموت يطوق الأحبة ويختطف الأطفال ليسافر بهم إلى البرازخ، ومن هناك كان باسم الشريف معمار الخلود الكبير وقبطان الرحلات الخطرة، يعرض كتبه على ارصفة باب المعظم او شارع المتنبي، بعدها يختفي في مدينة الثورة وقطاعاتها المتداخلة، حين أراه أقول الحمد لله مازالت الدنيا بخير لأن فيها هذا الباسم الشريف الذي قاطع الذل والمبايعة ورفض الانحناء وغادر مؤسسات النظام إلى غير رجعة، جوعه فخر وكرامته رفعته وتقواه هويته وزهده غناه وفخاره وعرفانيته سماء تومض بالمحبة والمقامات العالية، قصصه شهادات يحملها إلى القلوب فهي شواهد الأشياء وسعادات الأماكن المضاعة التي مرت عليها قدماه غير المسرعتين، قدماه المحملتان بهم غبار الطرق الطويلة تقودانه دائما إلى فسح للأمل لايتنفس معه أحد فيها، فهي ملاذه الخاص من عنف الواقع وسواد الايام التي تدور بالفقدان والرحيل وغياب الأحبة، يقول الراحل الكبير في شهادته: في خضم هذا الغياب والتلاشي الفادح الذي املته متوالية الحروب والتي باتت تشكل تهديدا وجوديا على شواخص ماتبقى من الامكنة، ان مجموعة سعادات الامكنة المضاعة شكلت بالنسبة لي وسيلة تمكنت من خلالها المرور إلى تلك السعادات رغم ان كل شيء أصبح محض فقدان، مشيرا إلى أنه من هنا ابتدأ دون محددات مسبقة، يقول عنه محمد خضير: انه استطاع الوصول إلى امكنة ليس من السهل الوصول إليها، وأن الشريف يمتلك وعيا من خلال الشهادة القصصية التي قدمها في مجموعته تلك وهي شهادة مركزة وثمينة وتعتمد مجموعته على سردية خالصة في معرفة المكان، ونحن نقول نعم هو هكذا في تجواله الذي أشرت اليه منذ البداية، فقد وصل إلى أماكنه المرتجاة المغلفة بالقداسة والسرية، وقد وسمها بسرده الحكيم وهو يؤشر مواضع تلك الامكنة وجغرافياتها التي تحملها بوصلة السرد والسر وهي تقود المغامرين الباحثين عن تلك الأماكن في سفر طويل، لهذا احتاط هو للأمر وأجل الكثير من المواعيد حتى حانت ساعة المضي سريعا قبل أن يبطئ وتختفي البوصلة، فما كان عليه إلا أن امتطى غيمته الماطرة وارتفع في عمود الريح ليموت موتا عموديا لا يموته إلا العارفون، نحن نراه موتا وهو يراه
ارتفاعا عن ترابية الأحلام والوقائع، رحل وترك لنا دموعا هاطلة من غيوم احزاننا التي لايبدو انها ستكف عن الهطول، والذي يبعث في قلبي الصبر والسلوى هو اعتقادنا الراسخ بقرب ودنو عوالم تلك البرازخ المشتركة لأننا نمتلك الأجنحة ذاتها والميول اللاهبة في تراجيع أوتار حيواتنا هنا وحيواتنا هناك، سلام عليك ايها الباسم في الموت والحياة والشريف الذي لاتدنسه عثرات الهوى ولا ترعبه وحشة الثرى، فروحك محلقة في الثريا وقبرك قبلة
المشتهى.