قصورٌ تشريعي أم عارضٌ تطبيقي؟

آراء 2020/09/20
...

القاضي ناصر عمران الموسوي
 
المتتبع لمنظومة القوانين التشريعية الحاكمة والمنظمة للسلوك الاجتماعي للفرد والبناء المؤسسي للدولة المرتكزة على قوانين منظمة، تتخذ صفاتها واهدافها من طبيعة الاسباب الموجبة لوجودها القانوني من دون التفريط بذاتيتها التكوينية، باعتبارها قوانين ذات خصائص سلوكية هدفها تنظيمُ وتهذيب سلوك أفراد المجتمع، وليس التضييقَ عليهم، أو إزعاجَهم، أو التأثيرَ في أعمالهم. ولها عموميتها: أي أنّها غيرُ مخصّصة لفئةٍ معينةٍ كما انها اجتماعية بحيث لا تظهرُ هذه القوانين إلا في حالِ تواجدِ الجماعة. ولعل من سماتها المهمة ايضا ً انها عصريّة بمعنى انها تواكب التطوّر حيث تُراجَعُ القوانين وتُطَوّرُ أولاً بأول لتتواكبَ مع متطلّباتِ العصر وهذا ليس مثلبة ً او قصورا في التشريع القانوني، فالقوانين تبقى وليدة وضعيتها المتغيرة والمقترنة بأحوال العباد والبلاد كما انها نتاج بشري مرتبط بالمحيط البيئي وليس بعيدا عن رؤى ورؤية السلطة الحاكمة، لذلك كثير من القوانين الملتصقة تشريعا وتنظيما بالحاكم ترتبط به واذا تغير السلطان كما يرى ابن خلدون تغير الزمان، لكن بالمحصلة النهائية يرى المتابع ان القوانين تمنح الحياة روحها فتطمأن النفوس بوجودها، فهي هدي العدالة ومنصات نشيدها الخالد، إن هذا الاعتقاد والطمأنينة هو الاساس في ثبات النص القانوني المنظم للسلوك الاجتماعي والمحقق لمفهوم الأمن القانوني، الذي يشكل ركيزة اساسية من ركائز دولة المؤسسات ومؤشرا دقيقا جداً على وعي المشرع لمفهوم العدالة وإدراكه لوجوب توفير معايير ومبادئ دستورية لا تصح التشريعات، إلا بمواءمتها ولا تحقق الغاية من التشريع بمخالفتها رغم عدم النص عليها في الدساتير، فمن خلالها يتم احترام المراكز القانونية، وحين يأتي التعديل وهو إجراء عملية تغيير رسمية في دستور أو قانون أو عقد أو أي وثيقة قانونية أخرى. و عادة ما يجرى التعديل عندما لا تقتضي الحاجة إلى كتابة وثيقة قانونية جديدة، حيث تكون التعديلات لإضافة أو إزالة أو تحديث فقرات ضمن تلك الوثيقة. عندما يتم التعديل على الدستور، تسمى هذه الحالة بشكل خاص باسم التعديل الدستوري. تحتوي بعض الدساتير على نصوص محصنة، تحمي جزءا من نص الدستور من التعديل بجعل الإجراء المتبع للتعديل أكثر صعوبة أو مستحيلا. اما التعديل القانوني فلا يتضمن نصوصا تحصنه من الطعن في دستوريته بالكامل او بنصوصه، لكنه لابد من أن يستند الى عامل زمني تطبيقي يحسب لصناعته التشريعية ورؤاه التنظيرية والتي استندت الى واقع موضوعي، لذلك خرج القانون بكامل حليته التشريعية وحقق مبتغاه من الاعتقاد والالزام والعمومية، اضافة الى عصريته ومواكبته لتطورات المجتمع، وبعد أن يأخذ فرصته الزمنية ومن خلال التطبيق يظهر احيانا الحاجة الى تعديل نص هنا او الغاء نص قانوني هناك او تعديل في بنية المادة القانونية وهو اجراء تعديلي خضع للعارض التطبيقي التي اوجبت مجريات العدالة، وهي ان يكون نص التعديل موجبا بدلا عن النص او المادة القانونية القديمة في بنية النسق التشريعي للقانون وهو امر طبيعي فلا صفة عمرية مطلقة للقوانين، اما لو تم تشريع القانون وبمجرد نفاده تتراشق نصوصه القانونية مشاريع التعديل وتصيب مواده القانونية بمقتل دون أن يأخذ مداه الزمني او يجد نفسه بمواجهة المشروعية الدستورية، فإن هذه الحالة تؤكد اما قصور في الرؤى التنظيرية لإعداد المشروع القانوني او عجالة في التشريع او يطارده التصحيح اللغوي او الصياغة القانونية والتي لها الاثر الواضح في الواقع التطبيقي، في ما بعد وهذه الاخيرة من حالات التعديل التي لا ترهق روح التنظير المعد للقانون وتحسب على صناع الصياغة التشريعية، لذلك نرى بأن تكون المساحة الزمنية لصناعة القانون قد راعت برؤى تشريعية مديات الزمن التطبيقي للقانون الذي يتحرك فيه بروحه الجديدة العامة والمجردة والملزمة وأيًا تكن الاسباب، فالتعديل ديمومة لمرونة وحياة النص القانوني وانسجام مع روح العدالة المنشودة.