حمزة مصطفى
على مدى 80 عاماً من عمر الدولة العراقية الحديثة (1921) كان هناك جهاز رقابي واحد هو "ديوان الرقابة المالية"، وحتى بعد العام 2003 حين تأسست أجهزة ولجان ومجالس مكافحة الفساد بقي هذا الجهاز هو الأول من حيث المهنية والكفاءة، باعتراف الجميع، لماذا لم يتم الإبقاء عليه وحده؟ والله ما أدري. حقيقة لا أعرف وليس إستذكارا لمقولة باتت ذائعة الصيت لواحد من الآباء المؤسسين لنظام ما بعد سقوط النظام السابق، المهم لدينا الآن عدة أجهزة ولجان ومجالس والمحصلة أن الفساد وصل الى الهامة مثلما يقال، والحملة الأخيرة مصداق لما نقول مع أنها مجرد البداية والتي لم تمس سوى الغاطس من جبل الجليد.
ما هو الفرق بين ديوان الرقابة المالية قبل 2003 وتعدد أجهزة الرقابة والمحاسبة بعد العام 2003؟ الفرق أن الفساد الذي لم يخل منه عهد من العهود كان مقننا بحيث يستطيع جهاز واحد ضبط إيقاعه وحتى السيطرة عليه ماعدا إذا كان فسادا رسميا يتمثل بتبديد أموال الدولة على دول وجهات ومنظمات إقليمية ودولية مثلما يتهم النظام السابق بذلك من قبل خصومه، ماعدا ذلك فإن الحديث عن الفساد في تلك العهود كان لا يتعدى طبقا لما بقي متداولا لعقود من الزمن الرشوة البسيطة التي لم تتعد "الواشر" وهي العملة النقدية الحديدية التي كان معمولا بها سابقا والتي تبدأ بـ "العانة" أي "أربعة فلوس" في العهد الملكي. ونظرا لأهمية العملة النقدية أيا كانت، فإنه حين أضاف الزعيم عبد الكريم قاسم فلسفا إضافيا بحيث أصبحت "خمسة فلوس" انتشرت آنذاك الأهزوجة الشعبية المشهورة "عاش الزعيم اللي زود العانة فلس"، ولو كانت هناك سوشيال ميديا في ذلك الوقت لرأينا حجم التأييد للمؤيدين والرفض للرافضين لذلك القرار التاريخي في وقته وبمقاييس
زمنه.
والعانة التي كانت 4 فلوس قبل أن تصبح 5 بأمر ديواني من الزعيم دخلت في المخيلة الشعبية تحت مسمى "الواشر" كما أسلفنا والذي تحول الى صفة لصيقة لأبي إسماعيل. وأبوإسماعيل ابتلى على عمره مثلما ابتلى واحد من أكثر رؤساء الوزارات نزاهة آنذاك وهو الفريق طاهر يحيى الذي منحته دعاية مناوئيه وصفا قاسيا هو "أبو فرهود" مع أن الرجل وطبقا لما كتبه المؤرخون عن تلك الفترة إنه لم يفرهد شيئا. ننتظر الآن الخطوة الأولى التي بدأتها الحكومة في محاربة الفساد الذي انتقل من.. الواشر الى الشدة.