سيتبادر لأذهان القراء من العنوان أنَّ المقصود هو العشوائيات التي ملأت بغداد بعد 2003، طبعاً هي واحدة من الكوارث البيئية والعمرانية التي شوهت العاصمة وأربكت منظومة الخدمات، سواء التي بنيت على أراضٍ تابعة للدولة وتمت السيطرة عليها من قبل بعض المتنفذين، أم الأراضي الزراعية التي وزعت من قبل ملاكيها، لكنني في الواقع لا أقصدها تحديداً، بل أعني بنية التخطيط الحضري لبغداد منذ مئة سنة تقريباً.
الباب الشرقي الذي يمثل مركز المدينة منذ نشأته وهو يعاني من العشوائية، فحديقة الأمة مثلاً معلم حضاري، واجهتها الأمامية نصب الحرية لجواد سليم، واحد من أكبر وأجمل النصب في الشرق الأوسط، وواجهتها الخلفية جدارية فائق حسن، أيقونة فنية من أروع ما يكون، وكان تمثال الأم لخالد الرحال يتوسطها، لكن منذ تأسيسها حتى اليوم لم تستغل لتتحول إلى مركز حضاري ترتاده الأسر بسبب عشوائية المناطق المحيطة بها،
البتاويين التي كانت من أجمل المناطق السكنية، تحولت تدريجياً إلى منطقة موبوءة، ومن الجانب الآخر سوق الهرج وما يتصل به من أزقة ضيقة ومحال لبيع الملابس المستعملة والخرداوات، حتى أصبحت حديقة الأمة مكاناً خطراً بسبب ما يحيطها.
شارع الرشيد الذي كان ولا يزال الشارع الرئيس لبغداد، وكان زاهياً بمحال الألبسة والأزياء الراقية وله طابعه البرجوازي المميز، قد تحول منذ التسعينيات إلى سوق للعُدد والأدوات الاحتياطية والزراعية وفقد رونقه، وهو في الأصل شارع عشوائي،
افتتحه خليل باشا لملاقاة الجيش البريطاني مطلع القرن، بلا أدنى منظور جمالي أو حضري، فالمدن التي فيها أنهر تستغلها وتجعل واجهات المحال مطلة على الأنهر وليس العكس، حتى أن خريطته جاءت ملتوية ومتعرجة، يقال إنَّ بعض أصحاب البيوت قدموا مبالغ من المال إلى موظفي البلدية آنذاك لإبعاد
خيط التهديم عن بيوتهم، وقد سمعنا بوجود مشروع يسمى (رئة بغداد) يهدف إلى فتح شارع الرشيد على النهر من ساحة الميدان حتى ساحة الوثبة، مع الإبقاء على بعض البيوت والمعالم التراثية، فأنى لبغداد من رئة تتنفس بها بعدما خنقتها العشوائيات؟
وهل صحيح أنَّ أموال المشروع اختفت
بقدرة قادر؟