كيف بوسع الإنسان العراقي أن يقضي يومه والشائعات تهاجم عقله في كل لحظة مع حركة لولبية نشطة بلا توقف لماكنة التواصل الاجتماعي التي شكلت مصدراً رئيساً مغذياً لوسائل الاعلام؟
وطغت المعلومات الفاقدة لمصادرها في نسبة الضخ المتعلق بالاعتقالات خلال الأيام الأخيرة من هذا الأسبوع ما يزيد عن 90 % من إجمالي ما يتلقاه المواطن من معلومات شتى، وبطبيعة الحال هذا يشكل غزوا فكريا مسموما وتجهيلا لعقولنا بأن الخطأ بات واقعا مفروضا، والحقيقة المقدسة في عالم الاعلام والمعلومات ركبها موج التجاوز والشائعات والكلام
الملفق.
فلا ندري أين الحقيقة اختفت ولأي زاوية هربت من جسارة الدعايات المقصودة من صناعها، فلماذا التركيز على عشرات القوائم بالاعتقالات ومن مختلف المستويات العليا الى الدنيا التي اتسعت كثيرا على قاعدة قالب الهرم المعتدل، وهذه الخطوة خلقت حالة ارباك سادت الشارع العراقي، ويظن الناس بما في ذلك ملايين العاطلين عن العمل والمحرومين من وظائفهم شمولهم بحملة الاعتقالات التي تعج بها منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، لكونهم قدموا عشرات المرات طلبات بحث عن وظيفة، والذي يؤسفنا إن الكثير من المسؤولين يتساءلون عن مصادر المعلومات المتداولة، حتى أصبح كل واحد يخاطب صديقه ممتعضا من حملة دعائية ليس الفعل فيها بالاعتقال بما لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة من عديد القوائم الطويلة العريضة، وعموما الحملة تنطلق من عوامل عدة أبرزها التغطية على قائمة التعيينات التي أثير حولها جدل شعبي شديد ضد اختيار أغلب الأسماء الواردة فيها من قبل رئيس الحكومة، لكونهم تابعين لكتل سياسية
كبيرة.
والأمر الآخر أن الطرف المتصدر لموضوع الدعايات هذه إنما يستهدف وراءها أيضا إرباك معنويات بعض المسؤولين الفاسدين الذين يحتمون بأحزاب وتيارات سياسية تمنع اعتقالهم، وتحميهم من استنشاق أوكسجين السجن بغض النظر عن مستوى خطاياهم ضد البلد. وفي العادة ان المعلومات الكاذبة والملفقة أو ما نسميها في الفقه الإعلامي بالشائعات التي تفتقر للمصادر الرصينة، تربك الوضع العام لكنها سرعان ما ينكشف أمرها والطعن بشرعيتها، فتخلق فجوة من انعدام الثقة بمن أطلقها.
وهذه الأساليب وان كانت تفترس عقول المتلقين، لكنها لا تخدم مصالح مروجيها، وبالمحصلة النهائية تنحصر الشائعات بين إما أن تكون من صناعة جهة مسؤولة فاعلة بالمشهد العراقي، أو من جهات خارجية أخرى معادية تحاول ارباك المشهد العراقي لغاية في نفس يعقوب، وعلى ما يبدو ان جانبا من الشائعات مصدرها أطراف ليست بعيدة عن الحكومة بهدف ارباك وضع بعض حيتان
الفساد.
وفي جانب آخر انها تتصل بجهات خارجية واكثر الجهات ترشحا هي الأميركية التي تتفنن في صناعة الشائعة وعملية ترويجها، لاسيما انها الطرف المتفرج على كل التفاصيل وأكثر ما يناسب وضعها انتاج الازمات والارباك لتحقيق غايات ستراتيجية من حيث التكييف الفكري والنفسي للسلوك الجمعي العراقي.
إنَّ مثل هكذا جعجعة مربكة دون رؤية طحين تسبب ارباكا لمسيرة الحياة اليومية بالبلد، ابتداء من المواطن حتى أعلى هرم
الدولة.
وإن كانت هناك عمليات اعتقال تنفذها الحكومة فينبغي أن تسير على خطى البلدان المستقرة بالطرق المثلى بعيدا عن اعين الناس وعن بيئة الواتساب والفبركات المرعبة، فحياة الناس بحاجة الى الهدوء والاستقرار، وهي الغاية المثلى، وعدا ذلك فانه عربدة تربك ولا تنتج وتستهلك عقول الناس وتعيق
إبداعها.