يختلف إعلام الدولة في النظام الديمقراطي عنه في النظام الدكتاتوري الاستبدادي، ففي الأول يكون الإعلام مجالا عاما للحوار يتبنى خطابي الحكومة والمعارضة، بل يشتمل هذا التبني على جميع قضايا المجتمع ومشاكله وظواهره الاجتماعية والسياسية، أما الثاني فهو خطاب إعلامي موجه مفروض بشكل عمودي من الأعلى (السلطة) الى الأسفل (جمهور المتلقين)، وهو ذو اتجاه واحد لايحتمل التلقيم الراجع ( feedback ) .
وقد اعتمد مفهوم البث العام ليشمل جميع المحطات الإذاعية وقنوات التلفزيون والوسائط الإلكترونية الأخرى بوصفها ذات مهمة اساسية وهي تقديم الخدمة العامة. هذه المؤسسات تكون ملكا للدولة كليا او جزئيا وكذلك في تمويلها وادارتها.
إعلام البث العام ليس من أهدافه الربح بل تقديم خدمات اعلامية واعلانية وترفيهية للمواطنين، إعلام بعيد عن الاجندات الحزبية او التدخلات الحكومية، إعلام المجتمع بجميع أطيافه وتنوعه الثقافي والديني والطائفي والعرقي، يتمسك بالمهنية والدقة والموضوعية، بعيدا عن الإثارة والصخب السياسي او التهريج الإعلامي.
يتبنى برامج الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في التنمية والبناء وموقف الجمهور منها، فهو المجال العام (بحسب وصف بورديار) الذي يدور فيه النقاش والحوار والنقد، لا ينحاز للحكومة وحزبها او أحزابها الحاكمة ويقف على مسافة واحدة من المولاة والمعارضة، إذ يمثل ساحة الحوار بينهما.
أحيانا يتعرض إعلام الدولة لضغوط وتدخلات سياسية في شؤون التحرير او الادارة لكن قوة إدارته ومنعتها ووضوح أهدافها يجعلها ترفض الخواء والرضوخ او الخنوع دفاعا عن مهنيتها ومصداقيتها مع جمهورها.
إعلام الدولة يجد فيه المواطن ضالته في الترفيه الراقي والتعليم والتربية بوصفه احد مؤسسات الضبط الاجتماعي. فيثق به المواطن ويتابعه بعناية فائقة لانه يعبر عن تطلعاته وآماله.
وكجزء مهم من عمليات الاصلاح السياسي والمؤسسي الجارية الان، فإن إعلام الدول يتحدث بالفم (المليان) عن مهنيته ومصداقيته، وقد عبر عن هذا التوجه من خلال تبنيه القضايا الملحة للمجتمع واندكاكه بما ماهو صاعد على السطح السياسي من احداث محلية وبخاصة تلك التي تخص الاغلبية المسحوقة والمتضررة من الازمة الاقتصادية والصحية وبمهنية واضحة. فارتفع سقف الحرية في المحتوى الإعلامي بعيدا عن المؤثرات السياسية والتدخلات الحزبية.
وهو يقف متصديا وبفصاحة للخطابات الاعلامية الفئوية والطائفية والشوفينية التي تسمم العقول وتشتت وتشرذم توجهات الرأي العام، فضلا عن مواجهته وتصديه لخطاب الكراهية والعنف والارهاب.
ولايمكن أن يتحقق كل هذا من دون اعتماد الكفاءة والنزاهة في التحرير والإدارة بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية التي جعلت الأميين وأشباه المتعلمين يتسلطون على إدارته ويشوهون أهدافه وخطابه ومحتواه.