على ضفّة خارج التّاريخ

آراء 2020/09/24
...

 د. نازك بدير * 

كيف نقارب السؤال عن مفهوميّ السّعادة والحرية في مجتمعاتنا؟ هل يحقّ لنا أن نتحدّث عنهما، وهما مغيّبان قسرًا عن دفتر يوميّاتنا؟ ما هو خيار الشّعوب العربيّة أمام هكذا سؤال تمّ نفيه بقوة تمجيد الاستبداد والأمية؟ ما هي أولوياتها؟ ثمّة أطفال يولدون ويموتون في مخيّمات اللجوء. لم يعد الطّفل السّوري» إيلان» وحده أيقونة الشّاطئ، لحق به سرب من الأطفال المنكوبين، التهمهم البحر. أتولد السّعادة، والصّغار يقضون نحبهم في قوارب الموت؟ أين السعادة في أوطان تُرمى أطفالها طعامًا للأسماك؟ كيف نطرح مسألة السّعادة وأطفال أعُدِمَت أمهاتهم أمام مرآى عيونهم؟ أتتسرّب السّعادة إلى جفون تنسج من شظايا الرّصاص خلخالًا؟ أينعكس ظلّ السّعادة داخل محاجر تقرّحت ترى القمر فتات خبز؟ قد يذكر البعض في معرض هذا الحديث أنّ الإمارات العربيّة استحدثت وزارة للسّعادة في العام 2016 لتصبح ثقافة حياة! واستأجرت بهلوانيين من الوافدين العاملين لكل مواطن من السّكّان الأصليّين ليقوم بإضحاكه!» وستعمل وزارة التسامح على مغفرة جميع الأفعال والخطايا التي يرتكبها المواطنون بحقّ البشر المستوردين...» كيف ستشعّ الفرحة في عينيّ مهرج استقدم إلى دولة انتزعت عنه صفة الإنسانيّة وتاجرت به في سوق نخاسة لإرضاء نزوات أفرادها؟ وأين السّعادة أمام مشهد ابنة الأربعة عشر ربيعًا يغتصبها ثلاثة وحوش بشرية تقيّد بالأغلال ومن ثمّ تحرق، وهي على قيد الحياة، وفي الطّرف الآخر من العالم طفلة في العمر نفسه تتمتّع بكامل حقوقها المدنيّة، لا تحشر في زاوية وتحرق فيها بل خُصّصت لها ولأقرانها المساحات الخضراء والجنائن والملاعب والتقنيّات الحديثة لمتابعة التّعلّم من بعد؟ أمّا هنا، فنجد مختلف صنوف القتل من قرب ومن بعد. ما معنى أن تلاحقنا فكرة الموت والاغتيال وتقضّ مضاجعنا؟ ما معنى أن يصبح الفتك بالآخر «سائلًا» في زمن جفّت فيه الإنسانيّة؟ ما معنى أن تصاحبنا الأهوال بدلًا من الأحلام؟ يبدو ان «جورج أورويل» قد أصاب بسهمه بؤرة الهدف حين وجد في مقاربته لمفهوميّ السّعادة والحريّة، « أنّ الخيار بالنّسبة إلى السّواد الأعظم من البشريّة هو السّعادة أفضل،» وجموع النّاس كائنات هشّة جبانة لا تستطيع تحمّل الحريّة أو مواجهة الحقيقة». الغريب في هذه البقعة من المتوسّط، أنّنا بلا سعادة ولا حريّة ، كأنّنا استثناء من القواعد، كأنّنا بتنا خارج المعادلات وخارج التّاريخ، على ضفّة متحرّكة آسنة تضجّ بألوان الموت. * أكاديميّة لبنانيّة حتى لا تكون الصورة معتمة، وبحاجة ماسّة للوضوح، فإن الرهان على النجاح سيكون هو الخيار الضروري والحقيقي، والنجاح ليس عملا سهلا وبسيطا، بقدر ما هو مسؤولية وارادة وموقف شجاع أزاء اسئلة الواقع العراقي، لاسيما أن ملفات هذا الواقع كثيرة ومحفوفة بالصراعات والعقد، والتي تضخمت طوال سنوات بحكم العجز على المواجهة، وترحيل الازمات من وقتٍ الى وقت آخر، فضلا عن سوء الادارة والفشل 
والفساد. دولة الخدمات قرينة بدولة النجاح السياسي والاقتصادي، لأن الخدمات تتطلب قرارات جريئة، وتغطية وحماية للمشاريع والبرامج، مثلما تتطلب وجود المال الذي تؤمّنه الموازنات العامة والاقتصاد الفعّال، وهذا ما يُعطي لتوصيف الدولة مجالا اوسع لتحديد هويتها، ولتأطير برامجها، ولدعم واسناد جهودها الحكومية، فالدولة مفهوم مؤسسي عام، يرتبط بسلطات متعددة، وأنّ التفاعل والتكامل بين السلطات هو الذي يعزز اجرائية عمل مؤسسات الدولة، لاسيما في مجال التخطيط والتنظيم والادارة والتمكين والرقابة، وفي تحفيز الرأي العام، ليكون رأيا مسؤولا في الرقابة وفي التفاعل مع برامج الدولة على مستوى المشاركة الديمقراطية والحقوق والعدالة الاجتماعية، أو على مستوى النقد، والتصدّي لمظاهر الفساد والفشل، لأن الرأي العام صناعة ستراتيجية لها قيمتها الوطنية الكبيرة والفاعلة، ومن الضروري ايلاؤها الاهتمام من قبل سلطات الدولة.
تلكؤ كثير من المشاريع، والفساد المستشري فيها هما العنوانان الصريحان لمشكلات الدولة، ولضعف الخدمات في بنياتها التحتية والفوقية، ولكلِّ ما يستدعي من حاجة للعمل على تجاوز تلك المشكلات، عبر اتخاذ الاجراءات القانونية والأمنية بحق الفاسدين، وعبر تعزيز هيبة الدولة وحماية مؤسساتها ومشاريعها، فضلا عن دورها في حماية السلم الأهلي، على مستوى الوقوف بوجه الارهاب من جانب، وعلى مستوى السيطرة على السلاح المنفلت وعمليات القتل والخطف التي يمارسها البعض من جانب آخر، وهي اجراءات ليست بعيدة عن فكرة نجاح الدولة، 
اصرارها على مواجهة تلك التحديات، لأنّ الفساد والعجز باتا ظاهرة اجتماعية واقتصادية وأمنية، تسببت في تضييع كثير من الفرص الاستثمارية، وتعطيل عمل المؤسسات، 
وانهاك بنية الاقتصاد ليظل ريعيا وغير قادر على الانخراط في مجالات تنموية واسعة وفاعلة، يمكن أن تنعكس على معالجة ازمة الاقتصاد ذاتها، وكذلك على معالجة ازمات البطالة والعجز والرثاثة.