تركيا تقترب من شن معركة شرق الفرات

قضايا عربية ودولية 2019/01/10
...

اسطنبول / فراس سعدون
اقتربت تركيا، أكثر من أي وقت آخر، من شن معركة على التنظيمات المسلحة الكردية في مناطق شرق الفرات السورية، بعد أن أسفرت زيارات مسؤولين أميركيين إلى أنقرة، وفي مقدمتهم جون بولتون، مستشار الأمن القومي، لبحث التنسيق في مرحلة الانسحاب العسكري من سوريا، وما أطلقه بولتون من تصريحات قبلها، عن ردود تركية رسمية وحزبية قوية وتعليقات لمتخصصين في الشؤون السياسية أظهرت كلها عمق الخلاف التركي الأميركي بشأن وجود التنظيمات الكردية في شمال سوريا وشمال شرقها.
 
صعوبات المعركة والانسحاب في سوريا
وقال مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي: إن “هناك (في سوريا) صعوبات ميدانية، لكننا نتغلب عليها”، متابعا “لا نتردد في تنفيذ خطواتنا شرقي الفرات”.
وأفاد جاووش أوغلو، في كلمة ألقاها أمس الأربعاء أمام البرلمان التركي بشأن تطورات السياسة الخارجية، بأن “الولايات المتحدة تواجه صعوبات في الانسحاب من سوريا”، مضيفا أن “الخروج يكون صعبا بعد كل هذا التقارب مع منظمة إرهابية” في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية.
وتحدث الوزير التركي عن سعي دول لجعل الولايات المتحدة تتراجع عن قرار الانسحاب، في إشارة محتملة لفرنسا.
وعبر الوزير عن إرادة حكومته تنسيق عملية الانسحاب الأميركي مع كل من روسيا وإيران باعتبارهما شريكين في اتفاق آستانا، وفيما أكد تواصل التحضيرات لعقد قمة جديدة بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران؛ نفى حدوث أي خلل في تطبيق اتفاق إدلب بين بلاده وروسيا.
 
اجتماع دانفورد في أنقرة
واجتمع جوزيف دانفورد، رئيس الأركان الأميركية المشتركة، ليل الثلاثاء في أنقرة، مع خلوصي آكار، وزير الدفاع التركي، لبحث التنسيق العسكري في 
سوريا.
وذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان، أن آكار ودانفورد ناقشا الانسحاب الأميركي، وسحب الأسلحة من التنظيمات الكردية، ومحاربة تركيا لتلك التنظيمات، في وقت شدد فيه آكار على ضرورة استكمال خارطة طريق منبج، وإخراج وحدات حماية الشعب من المدينة السورية في أقرب وقت.
رد  إردوغان على بولتون
وأزعجت تصريحات بولتون الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعدما أطلقها في تل أبيب قبل وصوله، ليل الاثنين إلى أنقرة، لدرجة أن إردوغان امتنع عن استقبال بولتون بعدما كان مدرجا في  جدول الزيارة.
وصرّح بولتون بأن الانسحاب الأميركي من سوريا لن يتم إلا إذا ضمنت تركيا سلامة المقاتلين الأكراد، مضيفا “لا نعتقد بأن الأتراك يجب أن يقوموا بعمل عسكري من دون تنسيق كامل وموافقة من الولايات المتحدة على الأقل، حتى لا يعرضوا قواتنا للخطر ويلتزموا أيضا بطلب الرئيس (دونالد ترامب) بعدم تعرض قوات المعارضة السورية التي قاتلت معنا للخطر”. 
وقال إردوغان في رد على هذه التصريحات :”رغم توصلنا إلى اتفاق واضح مع ترامب فإن أصواتا مختلفة بدأت تصدر من إدارته”، متابعا أن “مستشار الأمن القومي الأميركي ارتكب خطأ جسيما في تصريحاته بشأن سوريا ولا يمكننا قبولها، ولن نستطيع تقديم تنازلات”.
وأعلن إردوغان، أمام كتلة حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان التركي، قرب إطلاق عملية عسكرية ضد التنظيمات الكردية المتمركزة شرقي نهر الفرات داخل الأراضي السورية، مبينا أن “التحضيرات الجارية لإطلاق حملة على شرق الفرات أوشكت على الانتهاء، وسنبدأ قريبا جدا التحرك ضد التنظيمات الإرهابية في الأراضي السورية”.
واستبق دولت باهجه لي، رئيس حزب الحركة القومية التركي وحليف إردوغان، كلمة إردوغان بكلمة مماثلة أمام كتلة حزبه في البرلمان التركي، قال فيها إن “على تركيا أن تدخل شرق الفرات في سوريا  دون الاكتراث لما ستفعله الولايات المتحدة وما سيقوله 
الآخرون”.
وردّ باهجه لي، هو الآخر، على بولتون بالقول :إن “تركيا دولة مستقلة وذات سيادة، ولا تضطر للعودة لك ولأسيادك في ما ستفعل”.
 
اجتماع بولتون في أنقرة
وجاءت هذه المواقف مباشرة إثر انتهاء اجتماع لأكثر من ساعتين عقده بولتون في أنقرة مع إبراهيم كالن، المتحدث باسم إردوغان، وكبير مستشاريه للشؤون الخارجية.
وقال كالن، في إفادة صحفية عقب الاجتماع مع بولتون، إنهما ناقشا تفاصيل عملية الانسحاب من سوريا، والهيكلية التي ستخلفها العملية، ومصير القواعد العسكرية والمراكز اللوجستية الأميركية في سوريا، مضيفا أن “الأميركان أبلغونا بأن الانسحاب سيتم خلال 60 – 100 يوم والآن يقولون نحتاج 120 يوما، وتركيا لا تعتبر هذا تأخيرا كبيرا”.
وأكد ممثل إردوغان أهمية “تطبيق خارطة طريق منبج بحسب المتفق عليه بين أنقرة وواشنطن، وقد انتقلنا الآن إلى ما بعد مرحلة تسيير الدوريات المشتركة”، متعهدا بمواصلة “الجهود المتعلقة بمرحلة الانتقال السياسي في سوريا”.
ووصف جاريت ماركيز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، اجتماع بولتون وكالن بأنه “مناقشة مثمرة”.
 
العلاقة التركية – الأميركية: تناقضات وأزمة
ورأى إسلام أوزكان، الباحث السياسي التركي، أن “تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي عن (حماية) وحدات حماية الشعب الكردية تشكل أزمة لتركيا حكومة وجيشا”.
ووجد أوزكان أن “هناك تناقضات في الموقف الأميركي الخاص بالانسحاب من سوريا”، موضحا “بعدما تحدث المسؤولون الأميركيون عن ضرورة ضمان تركيا محاربة تنظيم داعش الإرهابي لتنفيذ الانسحاب، يريدون الآن من تركيا ضمان سلامة وحدات حماية الشعب الكردية، ثم أضافوا هدفا رئيسا آخر وهو الحفاظ على المصالح الإسرائيلية في ظل الوجود الإيراني في سوريا”.
وصرّح بولتون بأن الانسحاب سيتم بطريقة “تضمن الدفاع عن إسرائيل وأصدقائنا الآخرين في المنطقة ضمانا مطلقا، وتعتني بمن حاربوا معنا ضد (داعش) والجماعات الإرهابية الأخرى”.
وقال الباحث السياسي، في حديث لـ”الصباح”: إن “الحكومة التركية فوجئت بشرط حماية التنظيمات الكردية، لأنه لم يكن معلنا منذ البداية، ولا يمكن أن تقبل به، لأن أولوية تركيا الحالية، وسبب وجود قواتها المسلحة في سوريا هو القضاء على تلك التنظيمات”. 
ولفت الباحث إلى أن “مسؤولين في الإدارة الأميركية نصحوا وحدات حماية الشعب الكردية بعدم التفاوض مع الحكومة السورية”، غير أنه أبدى اعتقاده بأن “الوحدات مضطرة لهكذا تفاوض، لأنها النقطة الوحيدة التي ستحفظ مصالحها في شمال سوريا، وبدونها ربما ستتعرض لمخاطر كبيرة جدا في هذه المنطقة”.
وخمّن أوزكان أن “تؤجل القوات الأميركية انسحابها إذا لم تحصل موافقة تركية على وجود وحدات حماية الشعب الكردية”.
واستبعد أن “يكون هناك حل وسط بين الطرفين لأن المؤسسات التركية لا تقتنع بهكذا حل”، مستنتجا “طالما بقيت هذه المشكلة عالقة ولم تحل بشكل أو بآخر فإن العلاقات التركية الأميركية ستظل متأزمة، وعملية  الأتراك للأميركان في هذه المسألة ستكون معقدة جدا”.