حميد المختار
مهنة التصحيح من المهن المهمة جداً والخطيرة والمؤذية جداً، مهمة لأنها تعطيك صورة ناصعة للنص بلا أخطاء ولا هفوات ولا زوائد ولا عكازات لغوية، وخطيرة لأنها قد تخطئ في معلومة ما تخل في بنية النص او ترسل رسالة إلى القارئ توحي بنقص في ثقافة الكاتب وعدم نضجه وربما بجهله في معلومة ما، والخطورة كنا نستشعرها إبان سنوات النظام السابق حين كنا نعمل في قسم التصحيح ويمر علينا حديث للمقبور صدام والذي يخطئ في كلمة او حرف يدخل نفقا مظلما لن يخرج منه، وهناك أمثلة كثيرة للكثير من المصححين الذين اختفوا بسبب هفوة بسيطة او سهو غير مقصود يتحول في قوانين البعث المشؤوم إلى قصدية وحقد على النظام ورأسه، وعليه فلا بد ان يأخذ المصحح الحاقد جزاءه العادل، وهي حرفة مؤذية أيضا لأنها تكن العداء للعينين وتكثر عليهما الإرهاق والتعب حد المرض الذي يهددها بالعمى، وأنا لا انصح كاتب النص أن يقوم بتصحيح نصه بنفسه، نعم يمكنه ان يقرأ النص قراءة أولى لكن من الضروري جداً ان يحول نصه إلى مصحح متخصص، هذا المصحح يكون ملما باللغة والنحو وتركيب الجمل وتعديلها وتخليصها من الزوائد وربما الحشو، فالكاتب الأوروبي والغربي عموما بعد ان ينتهي من كتابة النص يحوله إلى المحرر ومن ثم إلى المصحح الذي يشذّبه ويقدمه للمؤلف ثانية بأحسن صورة، ويكون جاهزا للطبع، من هنا أتحدث عن تصحيح رواياتي والمعاناة التي أعانيها أثناء ذلك، تصوروا أن أعيد قراءة الرواية اكثر من مرة مجبرا مقهورا ومتعبا بعينين كليلتين من كثرة التحديق والبحث عن الخطأ وبناء الجمل وما إلى ذلك، ولا أملك من وسيلة أخرى، لهذا فقد يفوت الكثير من الأخطاء الطباعية والنحوية بسبب اعتياد عيني على رسم الكلمة وانسيابية الجملة في الذهن فأقرأ الخطأ صحيحا او انه يختفي تماما عن عيني، بينما المصحح المحترف لاتفوته فائتة إلا نادرا لانه دقيق وملم باللغة ويمتلك حبا لمهنته فيقدم بذلك نصا خاليا من الأخطاء وجاهزا للطبع، اما بعد ان يذهب الكتاب إلى الطبع، ثم تخرج النسخة الأولى فتتلقفها فرحا وسعيدا واذا بك في الصفحة الأولى تكتشف خطأ واضحا، فتقول كيف فاتني هذا الخطأ ويقتحمك شعور بالخجل من القارئ، فثمة قراء يبحثون عن الأخطاء ويتصيدونها باستمتاع ويعكسون ذلك كله على جهل المؤلف باللغة وآدابها، وحين يكتبون مقالاتهم النقدية عن الرواية تراهم يستعرضون تلك الأخطاء بلذة كبيرة، في تونس اكتشفت ان دور النشر عندهم تدقق بشدة في تصحيحها للنصوص، وضع الهمزة ووضع النقاط والفواصل والفوارز ونهايات الجمل وما إلى ذلك، اما نحن في العراق فلا نبالي بكل ذلك، المهم ان يخرج الكتاب بالسرعة الممكنة من المطبعة، اما كيف يخرج وبأية صورة فهذا ليس من شأننا، أنا هنا أدعو السادة أصحاب دور النشر ان يخصصوا أوقاتا طويلة ويوفروا خبرات لغوية لكتبهم قبل دفعها إلى المطابع حتى لا نعطي صورة سيئة لوضع اللغة العربية عندنا.