عبدالأمير المجر
من بين الظواهر اللافتة، التي بدأت منذ التسعينيات تقريبا واتسعت لاحقا، ظاهرة المستشرفين المزيفين، وهؤلاء هم الاشخاص الذين صاروا يقدمون انفسهم على انهم اصحاب حكمة ورأي، ومن آيات حكمتهم، وفقا لتصوراتهم، شتمهم ثورة تموز 1958 واعجابهم بالعهد الملكي، باثر رجعي! للموضوعية، نقول ان مثل هذا الرأي لو قيل في الستينيات او السبعينيات، لكان استشرافيا بحق، ليس على مستوى الصّوابية من عدمها، بل لما ينطوي عليه من حمولة تحليلية قابلة للنقاش، لكن ان يأتي احد اليوم، وقد ترك خلفه عقودا من ادعائه الانتماء لليسار او للثقافة (التقدمية)، ويزعم انه صاحب رؤية استشرافية ويلقي علينا المحاضرات، فهذا امر مضحك، لان الكل يشعر بالإحباط لما آلت اليه الامور. ولو ان الواقع الحياتي استمر افضل بعد العام 1958 وهو بالفعل بات افضل بكثير ولا يمكن مقارنته بما سبقه اطلاقا، باستثناء بعض اللمسات، لما اتحفنا هؤلاء باستشرافاتهم الزائفة هذه. الامر نفسه يحصل اليوم مع القضية الفلسطينية، اذ ظهر علينا (مستشرفون) جدد، يقولون؛ لو تم الاعتراف بإسرائيل منذ الاربعينيات لما حصل الذي حصل، وهذا الامر بات يقوله العالم والجاهل، لكن هل بالإمكان تبني هكذا موقف في مناخ تلك المرحلة التي شهدت قتل الفلسطينيين وتهجيرهم من ديارهم؟ .. لقد كان من اهداف الصهيونية التوسع شرقا وغربا، وقد ايقنت لاحقا انها عاجزة عن تحقيق حلمها الطوباوي هذا، كونها محاصرة ببحر من الرافضين.. وفي المقابل كان من اهداف العرب اعادة المشردين النازحين الى ديارهم، فأين الجريمة في هذا الهدف؟.. فالصهاينة يدركون تماما، ان خللا سكانيا سيحصل لو عاد النازحون وستنتهي اسرائيل، وهكذا بقي الصراع مستمرا.. والان مع كل الضعف العربي، اسرائيل محاصرة ولن تصل الفرات او النيل محتلة، مطلقا، وبات الواقعيون واليساريون الحقيقيون فيها، لاسيما (المؤرخين الجدد) و(السلام الان) يعلون اصواتهم من اجل السلام، مع رفضهم المعلن لما كسبته في حروبها بفضل الدعم الكبير من اميركا والغرب. ويبقى لكل ذي موقف موقفه، عربيا كان او اسرائيليا، والذي كشف عن معدنه، انسانيا واخلاقيا وسياسيا، بالتأكيد.