يقول السيّاب: صحا من نومه الطيني تحت عرائش العنب
صحا تموز، عاد لبابل الخضراء يرعاها
ها قد غاب عنا تموز قسراً، ككل عام، في شهر غيابه، الذي منحه اسمه، ليحل بغيابه القحطُ والجَدَب.
في تموز هذا لم يغادرنا الربيع والنماء والخِصب فحسب، بل غادرنا أيضاً، رمز من رموز فيض العلم، ونماء المعرفة والعطاء، أستاذنا الغالي الدكتور نجم عبد الله كاظم، الذي وهب حياته للكتابة، والتأليف، والعمل الأكاديمي، فعاش جلّ عمره في ظل سلطات النقد، ومختبرات السرد، والفهرسة، وصراع مفاهيم المقارنة، وتضادات الأنا والآخر، لتُتَوَّج مسيرتُه الثريّة بمؤلفات غزيرة، تبدو كأنها تنتمي لمؤسسة لا لفرد، كرّس جهودَه لها ولطلبته، بسخاء
مطلق.
لقد أطفأ غيابُك أستاذي ما أضاءت به الحياة، فغدت ظلماتٍ تثقل النفس والقلب والعين.
وغدت الأكاديمية تذرف الحزن والألم على رحيلك المفاجئ الموجع، فكيف لنا أن نستوعب هذا الغياب يا سيد
الحضور؟!
نعم أيها المعلم، ستظل دوماً سيداً للحضور، فأنت سراج وضّاء في قلوبنا ما حيينا، عمّقت فينا حب النظام، وحب العمل والإخلاص له، فنلنا بكل فخر واعتزاز، جزءاً من إرثك، وروحك، ومفاهيمك، وقيمك، التي ستظل تشهد على رفض هذا الغياب.
فأنت حي فينا، وستظل خالداً في ذاكرتنا وذاكرة الأجيال اللاحقة، منيراً بوهج علمك مسيرتها، كما أنرت لنا الطريق، آخذاً بيدنا في أولى خطواتنا، فكنت نعم الأب، والمعلم، والموجه، والمقوم لكل عثراتنا وسقطاتنا، فهل لنا أن نرثي طائر عنقاء، انبعث وهج حضوره من رماد الغياب، فولد من
جديد؟!