عقدة الحياء!

الصفحة الاخيرة 2020/09/29
...

حسن العاني 
ما اصعب أن يعترف الانسان بارادته على اخطائه وخطاياه ، الامر يحتاج الى شجاعة نادرة او استثنائية، خاصة حين يتعلق الموضوع باسرار وخفايا فيها الكثير الكثير من الحرج على الشخص نفسه ، او على الاخرين ، ومن الغرابة حقاً ان ادلي بجزء من اعترافاتي ، وانا رجل لا اتحلى باي نوع من أنواع الشجاعة، اللهم الا اذا كانت ( نوبة) شبيهة بنوبات الكرم التي يتعرض لها البخلاء ..فهي اذن نوبة من نوبات الشجاعة التي يتعرض لها الجبناء مرة كل خمسين سنة ..
لأسباب لا أعرفها، فتحتُ عيني على الدنيا طفلاً خجولاً، لايلعب مع أقرانه الأطفال، ولا يهجم على مائدة الطعام كما يهجمون، ولم يطلب من والديه لعبة او فاكهة او حلوى كما يطلبون، وكنت اذا زارنا ضيف وان كان واحداً من اعمامي او اخوالي أحاول الاختباء في أي مكان حتى لا أكون في استقبالهم، فانا اجهل ماهي الكلمات المناسبة ، وما الذي يجب أن يقال، والمرات القليلة التي أكون مجبراً فيها على الاستقبال، التزم الصمت التام، واذا نطقت بجملة او نصف جملة ، جاء كلامي وجاءت مفرداتي مما يدعو الى الضحك مني والسخرية ، وهو الامر الذي ضخم عندي عقدة الحياء !
لم تتغير الحال بعد دخولي المدرسة الابتدائية، فقد كنت من انبه التلاميذ واشطرهم وربما اذكاهم، تشهد لي الامتحانات الشهرية وامتحانات نصف السنة والامتحانات النهائية والبكالوريا، فانا الحائز على المرتبة الأولى دائماً وبخلاف ذلك لا أشارك التلاميذ في النشاط الصفي سواء برفع اصبعي للإجابة على سؤال، ام الذهاب الى السبورة او الوقوف امام التلاميذ لقراءة (محفوظة)، اما في دروس الرياضة فكنت اشعر بخوف حقيقي من اية لعبة واي تمرين.. وجزى الله المعلمين جميعاً كل خير فقد تفهموا وضعي وقدروه ولم يتسببوا في احراجي ابداً، ويكفيهم ما احققه من نتائج رائعة في الامتحانات، ويكفيهم انني (ولد) مؤدب وعاقل ومجتهد وخجول!
في المتوسطة والاعدادية لم يتغير شيء في شخصيتي وتكوينتها الغريبة، انهيت الثانوية وانا من دون أصدقاء، لم انتمِ مثلهم الى فريق كروي او اذهب الى سينما او مسرح ، واغرب من ذلك لم تنشأ لي علاقة مع ( فتاة) من أي نوع، ولم اتعرف على احداهن في شارع او محلة، ولم ارفع عيني يوماً على ابنة الجيران، ولم تدخل حياتي بنت من بنات العشيرة.. اما الأسوأ فهو انني انهيت دراستي الجامعية وقد خيبت ظن عشر طالبات حاولن بمئة طريقة وطريقة فتح ثغرة صغيرة الى قلبي – وكنت اكثر رغبة منهن لابتسامة حب اروي بها عواطفي المتعطشة – ولكن خجلي الكبير وقف حائلاً بينهن وبيني! يوم انهيت دراستي الجامعية وحصلت على وظيفة، قصدت والدتي امرأةً عجوزاً تعمل في حقل الروحانيات عملت لي حجاباً يسهل علي اختيار زوجة، واخبرت والدتي بان البنات سيجرين ورائي بدون حساب !! وضعت امي الحجاب في حقيبتي، وفي ذلك اليوم تأخرت عن الوصول الى البيت بعد أن سمعت اقدام مجموعة نساء يجرين ورائي، قلت لنفسي (صدقت العجوز) وحين التفت كان العدد اربعة قاموا باقتيادي الى دائرة الامن بتهمة ترويج مخدرات احملها 
في الحقيبة!!