مهمة مجلس القضاء في الحملة ضد الفساد

آراء 2020/09/29
...

  زهير كاظم عبود 
 
 بعد أنْ أوغل الفاسدون في خراب مسار الدولة، بشتى الطرق والأساليب الملتوية وغير النزيهة إخلالا بجميع معايير النزاهة والأمانة والشرف والتي باتت تشكل تحديا لمستقبل العراق، وتعالت الأصوات والاحتجاجات الشعبية تطالب القضاء على شبكات الفاسدين والتصدي الحازم لهم، ولمشروعية المطلب استجابت السلطة التنفيذية، متمثلة بمجلس الوزراء لهذا المطلب الوطني، لتنازل الفاسدين وتعزلهم عن طريق تطبيق القانون، والسعي بكل الطرق القانونية لاجراء التحقيق والمحاكمة العادلة لمن تتوفر الأدلة ضده من الفاسدين، والسعي على استعادة الأموال المنهوبة والمختلسة وحصيلة عمليات الاحتيال. 
واستبشر أهل العراق بخطوات عملية في هذا المجال على طريق مكافحة الفساد وعودة العراق سالما معافى، والسلطة التنفيذية حين تريد مواصلة الطريق في هذه القضية عليها أن تستند الى السلطة القضائية، المسؤولة الفعلية عن الاشراف على عمليات التحقيق والمحاكمات وعلى ملفات استرداد المتهمين
 والمحكومين. 
ولما تتمتع به السلطة القضائية من استقلالية، ولأن القاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه غير القانون، فيلزم الأمر أنْ ينسِب عددا من المحققين وباشراف قضاة تحقيق من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال التحقيق، وفي مجال محاربة الفساد، لتشخيص المتهمين من الفاسدين، 
وكلنا ثقة من أن مثل هؤلاء المحققين والقضاة سيلقون الدعم المعنوي والمساندة من رئاسة مجلس القضاء الأعلى، وأن يتم منح القائمين على التحقيقات الصلاحيات القانونية المرسومة في قانون أصول المحاكمات الجزائية وكل الصلاحيات الأخرى التي فرضتها الظروف دون تقييد، بما في ذلك إجراءات التفتيش والتحري والقبض ومنع السفر وعمليات الاستجواب وضبط المبرزات المعثور عليها في الأوقات التي تجدها الهيئة التحقيقية مناسبة، ولكون القرارات الصادرة عن هذه الهيئات التحقيقية منوط تنفيذها بالأجهزة المختصة المنسبة لمثل هذا العمل، وبالتعاون التام مع هيئة النزاهة التي تتولى إجراءات التحقيق الأولية لتعرضها على قضاة التحقيق المختصين في هذا المجال، من أجل استكمال هذه المهمة الوطنية، وأن يتم التنفيذ بالسرعة الممكنة وفق الطرق القانونية، سيمهد الطريق للتطبيق القانوني
 السليم. 
وإذا كان الأمر يتعلق بمهمة مجلس القضاء الأعلى يتوجب على كل مواطن يجد نفسه حريصا على التصدي لصفحة الفساد والفاسدين لتخليص العراق منهم أن يتقدم بأية معلومة أو مستندات إلى الهيئات التحقيقية المختصة تفيد التحقيق، وإذا وضعنا ثقتنا بالقضاء العراقي نتوسم أن من تناط به مثل هذه المهمة أن يكون حريصا على سمعة القضاء، والتطبيق القانوني السليم، وشجاعا لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا يميل إلى أية جهة على حساب الحق، ملتزما جانب الحياد والموضوعية، وأن يضع الأمانة التي حملها له القانون والدستور في النزاهة والاستقلالية والدراية بالنصوص القانونية وتدقيق الأدلة التي يتم عرضها في القضايا المعروضة، أمام ضميره وأن يتم تجنب التشهير والإعلان عن المتهمين والإفصاح عن تفاصيل عمل اللجان التحقيقية، حيث أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته بأدلة معتبرة.
وحتى يكون جميع الناس على دراية بالعمل القضائي، فإن الأمر يلزم القضاء بالتحرك حين يتم عرض القضايا التحقيقية أمامه لتدقيق ما توفر من أدلة في دور التحقيق الأولي والابتدائي، وأن هناك قضاة توفرت فيهم الكفاءة والقابلية والقدرة على إنجاز هذه المهمة، ومع أن محاربة الفساد تحتاج الى قوانين جديدة تنسجم مع المرحلة الحالية، إلا أن قانون العقوبات رقم 111 لسنة 69 المعدل كفيل بأن يوفر الغطاء القانوني في تنسيب المواد القانونية للفعل الجرمي، وعملية تدقيق الأدلة وتمحيصها وتقدير كفاءتها للإحالة من عدمها منوطة بقضاة التحقيق تمهيدا لإحالتهم على المحاكم المختصة لإصدار قراراتها وفقا لذلك. 
ويشكل التعاون والإسراع في تنفيذ القرارات القضائية نقطة مهمة في إنجاز التحقيق بالقضايا المعروضة، وأن يكون الهدف الأسمى حماية للمال العام ودعما للاستقرار الاقتصادي وحرصا على أموال الشعب ومستقبل الأجيال وقوت الفقراء وديمومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عرقلها الفساد، كما يشكل هذا التعاون تجسيدا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي أكده الدستور العراقي. 
ومع أن القضاء العراقي يشكو من قلة عدد القضاة المختصين أمام زخم القضايا والدعاوى المعروضة، إلا أن مطلبا شعبيا عريضا يؤكد ثقته العالية بالقضاء العراقي للتصدي لصفحة الفساد مثلما تصدى لصفحة الإرهاب قبل ذاك، ما يجعل مجلس القضاء الأعلى وقضاة العراق أهلا في التطبيق القانوني السليم وردع من تثبت الأدلة تورطه في قضايا الفساد، وستثبت الأيام القادمة همة وموقف قضاة العراق في اجتثاث الفساد والإرهاب.