من طقوس الأحزان الحسينيَّة في العراق

ثقافة 2020/09/30
...

 باسم عبد الحميد حمودي
 هو موسم حزن سنوي يستمر عادة في العراق أربعين يوما، وذلك بشكل رسمي، لكن الحقيقي أن طقوس هذا الحزن السنوي تبدأ وتستمر قبل الموعد وبعده. أربعون يوما حتى الوصول الى يوم (مرد الرأس) أي يوم عودة رأس الحسين الشهيد وأنصاره الى أرض الطف برعاية السيدة زينب بنت علي وحمايتها حتى ساعة الدفن المهيبة.
تبدأ طقوس استذكار ثورة الحسين الشهيد قبل العاشر من محرم، (وهو يوم المقاومة والثورة العملية على الظلم اليزيدي ورموزه) بتسعة ايام عمليا، وتستمر بعد يوم الدفن (الاربعين) عمليا.
عمليا – قبل هذا – تجد الجوامع والحسينيات في جنوب العراق ووسطه قد وضعت صناديق صغيرة للتبرع للمواكب التي ستسير الى كربلاء الحزن، وأنت تجد خلال النهار ومنذ بواكير الصباح رجالا يدورون بين المقاهي والأسواق وبيدهم أكياس صغيرة لجمع النقود من جلاسي المقاهي او اصحاب الدكاكين .
كانت (الاموال) اليومية المتبرع بها في كل بلدة في ثلاثينات حتى سبعينات القرن الماضي تتألف من العملات الفضية والنيكلية من درهم وريال (قيمته أربعة دراهم) ودينار، ثم تطور الامر الى العملة الورقية بكل اشكالها.
اللجنة الشعبية التي تجمع هذه الاموال في كل بلدة تقوم بالصرف على الحسينيات المشيدة في كربلاء واطرافها الخاصة بكل مدينة وتأجير السيارات للسفر الى المدينة المقدسة والصرف على استراحات الطريق الكثيرة وتوفير الطعام للزوار في حلهم وترحالهم.
من ذلك يبدو أن طقوس الحزن الحسيني السنوية ليست بكاء فقط، بل تحضير مجتمع العمل من اجل اثراء هذه الطقوس وتطوير العمل داخلها.
لا بدّ من قرّاء مهرة يقومون بإحياء مجالس العزاء، ولا بدّ من (رواديد) قادرين بقصائدهم على ادامة الوعي بهذه الاحزان وتصويرها بقصائدهم ومقطعاتهم الشعرية، ولذلك انتشرت بين الشعراء في كل موسم المنافسة على قول أفضل ما لديهم وترديده في المجالس  بأصواتهم، أو بأصوات الخطباء، و(الرواديد).. والرادود شخص ذو صوت مميز يستطيع تطويع طبقات صوته في إنشاد القصائد التي تروي مأساة الإمام الشهيد ورجال ثورته المليئة بالعبر، تتنافس المجالس الحسينية في كل موكب ومدينة لاختيار الافضل بين المؤدين في هذه المجالس لضمان الحصول على عدد اكبر من السامعين والمشاركين في هذه المواكب والمجالس التي تسمى أحيانا (القرايات) وهي لفظة شعبية أتت من القراءة داخل الموكب وتعني الانشاد فيه .
ويتجنب حاضرو المواكب والمجالس القول بـ (الانشاد) لأنهم يرون أن المجلس أو الموكب لاتصح فيه كلمة الانشاد بل الاداء الديني للقصائد التي تصور معركة الطف الخالدة وما سبقها وتلاها من احداث تاريخية.
 وتقسم هذه المجالس الحسينية الليالي العشر الاولى حتى  يوم عاشوراء (وهو العاشر) الى ليلة خاصة بكل شخصية من شخصيات الشهداء الميامين الذين استشهدوا مع الامام الحسين عليه السلام، فيوم للقاسم بن الحسن (عليهما السلام) وتفاصيل عرسه على سكينة ثم استشهاده، ويوم للطفل عبد الله الرضيع، وأمه  ..وهكذا.
هم بهذا يضمنون تنوع الاحداث والاداء داخل أحداث الواقعة الكبرى، وهذه تقع صباح اليوم العاشر من محرم الحرام.. إذ تتم المواجهة الدامية الكبرى بين البطولة الاسطورية الخالدة للامام الشهيد وقادة البغي من جيش الشام وصحبهم.
يتم خلالها مشهد حرق خيم آل الحسين وصحبه وتسيير السبايا من نساء وأطفال الى حيث حاكم الشام ومباهلة زينب الكبرى له على جريمته حتى أبكته مرائيا ليأمر بعودة رؤوس الشهداء مع زينب الى أرض الطفوف حيث يتم  مشهد الدفن الرهيب على يد بني 
أسد.
ولا بد هنا من ذكر المجالس الحسينية النسائية ودور هذه المجالس في التوعية وتقديم الأفضل من شاعرات وقارئات وهو موضوع يستحق الخوض فيه وتفصيله.
 إن طقوس الحزن العراقي الخاص على مقتل الامام الشهيد لا تنتهي في اليوم الاربعين، اذ لا بد من استذكار تفصيلي لحركة التوابين وانصارهم على قتلة الحسين والانتصار عليهم بقيادة المختار الثقفي وجيشه الحر.
هكذا تتوالى صفحات التاريخ الذي كان لطقوس الاحزان الحسينية سمة عراقية قبل سواها، فالعراق مسرحها مثلما هو مسرح اغتيال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قبل سنوات في مسجد الكوفة، وهو اغتيال جبان للمروءة والشجاعة والفكر المحمدي الوضاء، وهو اغتيال تجلت فيه شجاعة الإمام الشهيد قبيل وفاته، إذ أمر بإبقاء القاتل الجبان حتى تقرير أمره بعد استشهاده.
وهذه الصفحة من اغتيال المقدس لم تطوها الصفحات بل يتجدد ذكرها كل عام في زمنها ووقتها، كما يتجلى ذكر الشهداء الائمة من آل علي بن أبي طالب في أوقات استشهادهم، ليستمر استذكار هذه الاحزان وأخذ العبر منها أبدا، وعلى مر العصور.