العنف والهَويَّة المجتمعيَّة

ثقافة 2020/10/02
...

د. محمَّدحسين الرفاعي
 
 [I] 
يقوم التَّساؤل عن العنف المجتمعيّ على المصادر المجتمعيَّة للعنف. كما يتضمَّنُ العنف المجتمعيّ مُكَوِّنات وعناصر كلها تؤدي وظيفة تدمير التاريخ الذي من شأن المشترك المجتمعيّ في مجتمع بعينه. ومن هذا المنظار، إنَّ ما يمكن العثور عليه داخل العنف، واِنطلاقاً من (المشترك- المجتمعيّ)، ليس يتوقف عند تفكيك هذا الأخير، بل هو ينسحب إلى مستوى أن يكون مؤسسة مجتمعيَّة ضابطة لكل فعل مجتمعي. العنفُ مؤسسة في المجتمعات التي لا مؤسسة، لها، وفيها، وبها، ومنها، في المعنى الحديث للمضمون. 
 [II]
إنَّ المنظور النظريّ الذي بقي إلى الآن يفهم العنف بوصفه أداة تفكيك المجتمع، يبقى عاجزاً أمام فهم المجتمعات التي تقوم على العنف. لأنَّ، انطلاقاً من ثُنائيَّة (التنظيم- والفوضى)، يتوفَّر العنفُ، في مجتمعات قَبلَ الدولة، على ضرب من ضروب التنظيم، كما، وفي الوقت نفسه، هو يتوفَّر على إمكان تحديد، وإعادة تحديد الفعل المجتمعيّ، وهذا بدوره يقع في مؤسسة العنف- الفوضى، التي ترتبط بمنظور نظري آخر يَفهم المؤسسة انطلاقاً، لا من القانون، والتقنين، بل من مؤسسة تفكيك المؤسسات المجتمعيَّة. 
[III]
حينما نضع الفهم على هذا السياق، ومن هذا المنظور نبحث عن العنف، يُصبح ما يقوله، ويحدده، العنفُ، ليس مرتبطاً بالثنائية الكلاسيكية (التماسك المجتمعيّ- والتفكك المجتمعيّ)، بل هو يؤدي وظيفة مجتمعيَّة مرتبطة بثنائية حديثة كُلِّيَّاً، في المجتمعات الميتا- واقعيَّة، هي ثُنائيَّة (الخوف- والمحبة). 
[IV]
الخوف ليس ضرباً من ضروب الشعور فقط، بل هو أصبح نتيجة من نتائج ممارسة الوظيفة المجتمعيَّة التي من شأن العنف. أي الترهيب، والتهديد باِستخدامه (على- الضِّدِّ- مِنْ- الذَّات- الفاعلة). كما أن المحبة لم تعد، في المجتمعات التي تشكو من غياب المؤسسات الضابطة للفعل المجتمعيّ، مؤسسات الإنسان- والقانون- والعلم، لم تعد فيها المحبة ضرباً من ضروب الترف، بل نتيجة من نتائج العنف الذي يسحق الوجود الإنساني- والمجتمعي الذي من شأن الذَّات الفاعلة. المحبة، والحال هذي، هي لا تتضمَّنُ ضروب الفعل الذاتي، وتتوقف عنده؛ لا؛ هي تصعد إلى مستوى محدِّدات الفعل المجتمعيّ. حينما تُصبِح الوظيفة المجتمعيَّة للعنف على الضد منه. 
[V]
هكذا، نصبح أمام حقلين من العلاقة بين العنف، والهَويَّة المجتمعيَّة التي تنتج عنه: 
حقل التشابه والتناغم والانسجام بين العنف والهَويَّة، الذي ينتج عن اِنبثاق العنف من داخل الهَويَّة، والفهم المجتمعيّ (ضمن المعرفة المجتمعيَّة السائدة) بها، أي العنف داخل الهَويَّة واِنطلاقاً منها. وحقل التنافر، والتباين، والاختلاف بين العنف والهَويَّة، الذي ينتج عن إعادة تحديد الهَويَّة بواسطة العنف وضروب ممارسته مجتمعيَّاً، الهَويَّة داخل العنف، وانطلاقاً منه. 
[VI]
وهكذا يُصبح إشكال العنف يتضمَّنُ المضمون النظريَّ الآتي: مفهوم الهَويَّة، ومفهوم العلاقة المجتمعيَّة، ومفهوم الانفتاح على الآخر، ومفهوم العيش المشترك. كما تُصبِح إشكاليَّة العنف قد تشتمل على المنظور النظريِّ الآتي: إنَّ العنفَ، خلافاً لما يُتصوَّر، ليس ينتج عن الفرد فحسبُ، بل هو مؤسسة تفكيك المؤسسات المجتمعيَّة انطلاقاً من انغلاق الهَويَّة المجتمعيَّة في ضبط وتحديد وتنظيم العلاقة مع الآخر.