يأتي متأخرا اختيار الثالث من تشرين الاول كعيد وطني للعراق، بعد ان ظل التوصل الى مناسبة توافقية ومرضية امرا صعبا، حيث تعطل الاختيار وسط نزاعات سياسية واستحضارات وحجج جعلت المناسبة تراوح مكانها من دون حل منذ العام 2005 تاريخ اقرار الدستور وحتى الان، حيث افتقر العراق وهو الغني بالمناسبات لعيد وطني حقيقي يجمع مكوناته ويرمم تاريخه الذي شوهته بالامس ديكتاتوريات مريضة ودموية.
هذه المناسبة الوطنية الداخلة حديثا الى الذاكرة الوطنية رغم اقدميتها تعود الى العهد الملكي السابق الذي كان رجالات الحكم الجمهوري لاسباب عاطفية قد اجهزوا اعلاميا وسياسيا على انجازاته وجرى تخوين قادته ورموزه، بل ان هذه المناسبة وخصوصا عند الاجيال التي تربت في العهود الجمهورية الثورية اللاحقة لم تتوقف عند هذا التاريخ او تستوعبه، حيث كانت تمر بشكل عابر عبر سطور قليلة في كتب التاريخ المدرسية وكانها لا تستحق تلك الاهمية وسط صخب وضجيج المناسبات المعلنة والمفروضة العديدة والتي ازاحتها من قائمة الاهتمامات والدراسة والتحليل والاحتفال.
انضمام العراق الى عصبة الامم في العام 1932 كان امرا شاقا، لكنه كان بدعم بريطاني التي كانت القوة العظمى رقم واحد في العالم ونتيجة لمساعي الملك الراحل فيصل الاول الذي اقنع البريطانيين والاتراك والفرنسيين بأحقية العراق في التحول الى دولة مستقلة بعد ان تم حسم الكثير من الامور العالقة، خصوصا حقوق الاقليات والنزاعات الحدودية مع تركيا والعلاقات مع الفرنسيين، وفق الشروط التي وضعت من قبل عصبة الامم لقبول عضوية الدول فيها، حتى اصبح الامر ممكنا في العام 1932 .
هذا الانجاز يحسب للملك فيصل الاول الذي يتفق الجميع على نزاهته ووطنيته وسعيه الحثيث للحصول على الاستقلال وتقليل الاعتماد على البريطانيين في جميع الانشطة الداخلية والخارجية الذين ارادوا هيمنة كاملة على البلاد، حيث انه كان يوظف هذا التواجد لصالح العراق وليس ضده من خلال سياسة واقعية وعقلانية تراعي المصالح العراقية اولا، لكن رغباته واحلامه هذه لم تكتمل بعد موته، حيث اضاعها رجال السياسة الملكيون بخلافاتهم واخطائهم وانقلاباتهم المزمنة، قبل ان يصل النظام في نهاية المطاف الى مرحلة الانسداد السياسي التي سارعت بسقوطه في تموز من العام 1958.