كوابيس النهار!

الصفحة الاخيرة 2020/10/03
...

حسن العاني 
أعتقد جازماً بأنَّ نوم ليلة هانئة لا تعكرها أخبار الفضائيات حول جريمة إرهابيَّة غادرة تستهين بدم الأبرياء، أو اختلاس كذا مليار دينار من أموال الشعب سواء عبر التزوير أو المشاريع الوهميَّة، أو تصريح لهذا المسؤول أو النائب يثير الفزع في النفس وينذر بما لا تحمد عقباه.. أقول إنَّ نوم ليلة هانئة بات واحداً من أماني العراقيين التي تضاف الى أمانيهم المؤجلة، ولهذا عمدوا الى (القيلولة) وهي إغفاءة ما بعد الظهر، أو تحديداً ما بعد الغداء، وهكذا أصبحنا أول شعب في تاريخ البشريَّة يقلب موازين الطبيعة، وهو "يسهر الليل وينام النهار"!وما دمت من أبوين عراقيين بالولادة، وأمتلك بطاقة تموينيَّة تعاني من نقصٍ حادٍ في مفرداتها – وهو الأمر الذي يعزز نقاوة دمي العراقي – فأنا لا أنام من كل 24 ساعة أكثر من ساعتين بعد الغداء، وبناءً على هذه الوقائع الموضوعيَّة، فقد تحولت كوابيسي الليليَّة الى كوابيس قيلوليَّة، لعلَّ أطرفها هو الذي داهمني قبل عدة سنوات، إذ رأيت في ما يرى النائم، رجلاً عملاقاً سريع التنقل سريع الغضب، ولكنه شديد العفو والتسامح شديد النسيان، وهي صفات يتحلى بها العراقيون، وكان يرتدي زياً شعبياً عراقياً شاع ارتداؤه في خمسينيات القرن الماضي، ويتحدث بلهجة بغداديَّة لا تشوبها لكنة غريبة، وهو يقف مرفوع الرأس، بينما كان يجلس في مواجهته قرابة خمسة آلاف شخص، ليس فيهم ولا بينهم أحد إلا وقد علت ملامحه آثار الترف والنعمة والنغنغة، وقد أدركت بعد خطابه الرقيق والمهذب، أنهم بعض وجهاء البلد وقادته المسؤولين عن سياسة العراق وأمنه واقتصاده، وعن حاضره ومستقبله، وبعد أنْ انتهى عبر خطبة طويلة، من مجاملات الترحيب والتحية والثناء على الجهود والتضحيات الجسام التي بذلوها لخدمة الوطن، حتى أنهم آثروا المواطنين على أنفسهم، أخبرهم بنبرة يشوبها الحزن، أنَّ العراق برغم ما أنعم الله عليه من خيرات يحسده الآخرون عيلها، يواجه ظروفاً ماليَّة قاسية، ويمر بمرحلة اقتصاديَّة غاية في الصعوبة بسبب مشكلات عالمية – وليس بسببكم طبعاً- أثرت تاثيراً سلبياً حاداً في صادراته النفطيَّة، وفي أسعار البترول المتدنية، وهو الأمر الذي سينعكس انعكاسات مباشرة على عمليات الإعمار والخدمات والبنى التحتية، وربما تضطر الدولة الى تخفيض 50 % من رواتب الموظفين والمتقاعدين، ولهذا رأينا أنْ (تتنازلوا) وبتعبير أدق (تتبرعوا) برواتبكم ومخصصاتكم لمدة شهر واحد فقط، وبناءً على ذلك أيها الحضور الكرام، فإنَّ من يوافق على هذا المقترح أو الحل لمواجهة الأزمة المؤقتة، يبقى في القاعة، ومن يرفض يغادر المكان رجاء، علماً بأنَّ الأمر غير ملزم... وقبل انصرام الدقائق الخمس الأولى، وبعد مشهد مثير من التدافع بالأيدي والاكتاف لم يبق غير (50) شخصاً في القاعة، عندها طلب الرجل العملاق استدعاء المغادرين وخاطبهم قائلاً: [أيها السادة الأفاضل.. معذرة لهذه المزحة الثقيلة من مزح الكاميرا الخفية] وبينما ضحك الخمسون من أعماقهم فإنَّ (4950) مغادراً تنفسوا الصعداء وشعروا بسعادة عظيمة، الغريب أنني استيقظت من القيلولة وجسدي يهتز ضحكاً بحيث استغربت زوجتي لأنها لم تعهدني أضحك حتى في أحلامي!