انتصار أبدي

آراء 2020/10/03
...

  علي شايع 
 
إنَّ المقرّ بأزل الحسين (ع) في ماضيه، سيدرك بأن التاريخ كفيل بحضوره الأبدي الهائل، وقديماً قال الشاعر:" وإذا كانت النُّفوسُ كِباراً..تَعِبَت في مُرادِها الأجسامُ"، وأقول: وربما (الأيام)، إن صحَّ القول وإذِنَ القارئ!. وللحق إن نفساً مثل نفس من يضحي تضحية الحسين بن علي بن أبي طالب، في ما فعل وفي ما ترك، أكبر بكثير من جسد زائل تهاوى على رمضاء كربلاء يوم الفاجعة، لتصبح كلّ الأرض جسداً لتلك الروح الخالد بمثالية البذل. 
جسد واجه مشاق يوم ظَلَمَةٍ عسير، ليُوهَب كمال الانقطاع الى الأبدية، منيراً بصائر عارفيه، بضياء من مشهد "ذبح عظيم"، سيخترق حجب النور.
ترى لم هذا الاستذكار الصميمي للحسين دون غيره ممن مرّوا في دارة المقدّس؟. وما سرّ حرارة قلوب لا تخفت أو تتلاشى جذوتها فتفنى، ولا يبيدها التقادم، أو تدثرها العوائق فتبلى رايتها؟. سؤال منطقي بديهي لمن لا يعرف الحسين قضيةً، وهو يرى تآلف الحس الجمعي للعارفين بمكانته، والحماس لإحياء يومه باحتفاء نادر، ولو بين الإنسان ونفسه في الظروف العصية، لم لا يكون مثل هذا الاستذكار لسواه ممن أُنعمَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟!.
الإجابة سهلة لمن فهم ملياً قضية الحسين، مستدلاً على سرّ الخلود بأدوات الواقعة وتفاصيلها، وكما وعاها عظماء التاريخ، وهم يتتبعون حكاية المجد؛ أن يكون مظلوماً فينتصر، وقتيلاً بجسدٍ هشٍ فيفوز بحظوة الأبد كلّه. 
استذكَرَ الحسين أناس شاركهم الرفض والسؤال، وأجمل ما أتذكره صرخة الشاعر المرهف أمل دنقل، وسؤاله الفاجع المتكرّر أبداً: "إن تكُن كلماتُ الحسين.. وسُيوفُ الحُسين.. وجَلالُ الحُسينْ.. سَقَطَتْ دون أن تُنقذ الحقَّ من ذهبِ الأمراءْ.. أ فتقدرُ أن تنقذ الحقَّ ثرثرةُ الشُّعراء؟!".
سؤال الجدوى عن حق قديم انتهك، يكشف معدن الإنسان قرب لمعان ذهب الأمراء، في افق القرية الظالم أهلها أبداً، وتخاذل أهل الحق عن حقهم، كما لو أنَّ الشاعر يستنطق أبدية ما يرفضه الأحرار، ويَفرضه الحاضر من خذلان، ليحفّز الآخر ويستحثه؛ يقيناً لا يتخذه إلا الشعر، وينتصر فيه القول الخالص لوجه الحقيقة؛ انتصار الدم على السيف، ويقين البقاء رغم هول ما أراده الأعداء من فناء.