مهنة جديدة

الصفحة الاخيرة 2020/10/03
...

حسب الله يحيى

يوميا نجد مهنا جديدة، وسبلاً مفتوحة للعيش الكريم، فمن الساقي الجوال/ بائع ماء آرو، الى بائع اربع حاجات بالف، الى عامل نظافة عدته حصانه وعربته، الى بائع غاز.
لكن المهنة الجديدة، الغريبة والعجيبة التي لم يطلها القانون، ولم ينتبه عليها احد، ولم يتستر عليها واحد ممن يراها وهي تكبر وتتسع وتأخذ مداها في الانتشار، هي مهنة المكاتب المفتوحة والتي تعلن نفسها وطبيعة عملها، الذي يتلخص في تولي هذه المكاتب كتابة الابحاث العلمية في التخصصات العلمية والمعرفية والتربوية المختلفة، الى جانب استعداد هذه المكاتب للاتفاق على اعداد رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه، فضلا عن اقتراح عناوين الدراسات الجامعية.
هذه المكاتب، ماكانت لتفتح لو كانت هناك رقابة حقيقية ومناقشات علمية تتعلق بطبيعة هذه الأبحاث والرسائل مع الطلبة الذين يرومون التفوق في دراستهم وحصولهم على شهادات عليا وبناء مستقبلهم ونشر معرفتهم بين الأجيال المقبلة. 
الّا أن الأمر اتخذ طابعا اخر، حيث اصبح الحصول على هذه الشهادات يتم وينجز ويصبح واقعا في الحياة الاجتماعية والعلمية والاخلاقية، مقبول ومتداول بين الطلبة/ للحصول على الشهادات العليا، والاساتذة/ للحصول على الترقية الوظيفية.
ولم يعد الطلبة يجدون صعوبة في مناقشة (رسائلهم) و(أطروحاتهم) المزعومة، لأن الأساتذة الذين يناقشون ليس بمقدورهم الكشف عن الطلبة الجادين وعزلهم عن اقرانهم في مديات المعرفة، بسبب الجهل احيانا، وبسبب الرشا في الاحوال الاكثر انتشارا، وبسبب العلاقات الشخصية التي تجمع بين الاساتذة والطلبة.
من هنا أصبحت مهنة صناعة الشهادة العلمية، مهنة رائجة للخريجين المتفوقين والعاطلين عن العمل، يتم على وفقها إعداد رسالة او أطروحة جامعية، أمر سهل ما دام هناك انترنت وكتب متداولة، وجيوب مكتنزة بالمال.
اذاً من يحول دون انتشار هكذا مهنة تدر مالا وعسلا للطرفين، وتجعل من الدكتور يتباهى باللقب العلمي وكل رواد المقهى والمعارف يخاطبونه باللقب العلمي (دكتور) من دون أن يسأل أحدهم: كيف حصل على هذا اللقب العلمي وهو بالكاد أنهى الدراسة الاعدادية، بعد رسوب متكرر لعدة سنوات؟
واذا غاب وجود الرقيب العلمي(السري) والجمهور عن حضور مناقشة الرسائل الجامعية، فإن المسألة عندئذ تكون في ذمة لجنة الرسائل الجامعية، ومن ثم في (تعاون) اعضاء هذه اللجنة وفي تفاعلها وتضامنها على منح الشهادة بدرجة(امتياز) بهدف تحقيق هذا(التعاون) في رسائل لاحقة، لن يوقف أحد سبل انتشارها على نطاق واسع!