آية حسين
وسط النهار وتحت أشعة الشمس الحارقة، افترش الشاب حيدر علي (25 عاماً) الأرض أمام إحدى المؤسسات، وهو بانتظار دوره في مقابلة عمل، وبعد ساعات طويلة تم السماح له بالدخول إلى مكتب المدير العام، وما أن طرق الباب تفاجأ بوجود زميله، الذي تم فصله في الثانوية هو من يشغل منصب سكرتير المدير، اذ علم بعد ذلك بأنه قد حصل عليه عن طريق والده الذي يمتلك علاقات مع مسؤولين.
ومثله مثل الكثيرين من الأفراد الذين يحصلون على وظائف مرموقة في الدوائر والمؤسسات الحكومية والاهلية عن طريق المحسوبية، فحين يحرم أشخاص آخرون اكثر كفاءة لكونهم لايرتبطون بعلاقات مع نافذين في الدولة، فتغلق أبواب العمل أمامهم، وتتحطم آمالهم وأحلامهم في الحصول على وظيفة لائقة.
فقدان الأمل
بعد أن اكمل العديد من الشباب دراستهم الجامعية اصطدموا بحاجز يدعى بـ"الواسطة" والتي هي أحد اسباب دمار المجتمع العراقي، فقد أسهمت في هجرة المئات من الشباب إلى خارج البلد، ولا تزال تسهم في تدميره إلى يومنا هذا.
يقول علي وعلامات الحزن والتعب تبدو واضحة على محياه "دخلت إلى مقابلة مدير العام عسى أن أحصل على فرصة العمل لكوني امتلك شهادة الماجستير، فاعتذر وأخبرني بأنه لا يوجد اي مكان شاغر في المؤسسة، فخرجت وانا في حالة من اليأس، اذ لم اترك اي وزارة حكومية او اهلية دون اذهب لها واقدم اوراقي، لعلي أجد وظيفة أستطيع من خلالها إعانة أسرتي".
هناك مفهوم شائع بين الناس بأن اجراءاتهم ومعاملاتهم، لا تتحقق ذلك الا "بالواسطة"، وقد خلقت وظيفة جديدة غير قانونية تحت مسمى "المعقبين"، وهم مجموعة من الاشخاص يقفون على ابواب الدوائر والوزارات الخدمية بالتحديد، مهمتهم اكمال معاملات المواطنين مقابل مبلغ من المال يدفع لهم، اذ يكون "معقب المعاملات" ذا علاقة جيدة ومتشعبة مع الموظفين.
سالم حسن (44 عاماً)، حدثنا عن هذه الظاهرة وقال: "لكثرة اعمالي وعدم توفر الوقت الكافي لانجاز المعاملات القانونية، مثل اصدار هوية الأحوال المدنية، او البطاقة التموينية وغيرها من المستمسكات، كنت اكملها عن طريق هؤلاء الأشخاص، فعند حسابي لاجور النقل الى الدوائر والاستنساخات والانتظار في طوابيره، كان الاسهل لي أن اجعل أحد هؤلاء " المعقبين" لاتمام معاملتي لي، وبهذا اكون قد كسبت راحتي بمبلغ مادي بسيط".
مبدأ التفرقة
تعد الواسطة من الأسباب التي تؤدي إلى انخفاض مستوى الكفاءة في الدوائر، وهي بمثابة اعتداء على حقوق الآخرين وحريتهم في شغل وظائف يستحقونها، فهي تخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين.
الموظفة زهراء محمد (٣٠ عاما) تقول: " أتعب كثيراً خلال العمل، اذ أعمل لساعات طويلة بمفردي، على الرغم من وجود موظفة معي بالقسم، لكنها لاتقوم بأي عمل، وفي كثير من الاحيان تتغيب عن الدوام، ما جعلني هذا الامر برفع شكوى الى مسؤول القسم، لكي يتخذ الاجراءات اللازمة، لكن لم يقم بأي شيء اتجاهها".
موضحة "عرفت في ما بعد هي من أقارب المدير، ولا يستطيع أحد أن يتكلم معها في الدائرة".
" فيتامين واو"
الممارسة الشائعة "للواسطة" في بلداننا العربية، والتي يُطلق عليها ايضاً بـ"فيتامين واو"، سببت القلق والاكتئاب والضغوط والاضطراب النفسية، والتي ومن خلالها انعدام الروح الوطنية، ومن هذا الجانب يحدثنا الباحث والاكاديمي احمد عباس الذهبي ويقول: "المحسوبية أو المحاباة أو الواسطة تعني تفضيل الأقارب أو الأصدقاء الشخصيين بسبب قرابتهم وليس كفاءتهم، فالمحسوبية نظام سياسي جوهره علاقة لا تماثلية بين مجموعات من الفاعلين السياسيين الموصوفين بأنهم رعاة وعملاء وأحزاب سياسية". ويردف الذهبي "هناك تعاريف عديدة، اذ يمكن تعريفها بأنها مجموعة من الأفعال القائمة على مبدأ خذ هناك، أعط هنا بأسلوب يتيح لكل من العملاء والرعاة جني الاموال من دعم الآخر، والأكثر من ذلك أن المحسوبية تتميز عادةً بأنظمة المبادلة، حيث يبادل المصوّتون الدعم السياسي بنتائج مختلفة من عملية صناعة القرار العام". واشار الباحث إلى ان الوساطة أوالواسطة آفة اجتماعية، متجذرة في ثقافة المجتمعات العربية، ولا أقصد بالوساطة التدخل بين طرفين لتحقيق المصلحة أو إحلال الوئام محل الخصام، وإنما الوساطة المقصودة هنا المحسوبية الشائعة التي تدمر المجتمع، وتسبب الفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع، مما يشعر أبناء المجتمع، خصوصاً الشباب بالظلم والتهميش داخل وطنهم، ما تجعلهم يشعرون وكأنهم غرباء".