كورونا الرابع عشر

الصفحة الاخيرة 2020/10/04
...

عبدالهادي مهودر
كل المؤشرات تدل على أنَّ (فيروس كورونا) سيبقى ضيفاً ثقيلاً على العالم لفترة قد تطول وتعرض، فبعد تعايش تدريجي مع الجائحة وإلغاء حظر التجوال وعدم الالتزام بالإرشادات الصحيَّة عاد الفيروس بوجهٍ آخر، وبموجة ثانية أشد خطراً من سابقتها، وبدأت دول العالم تفكر بإعادة النظر بقراراتها الدفاعيَّة والهجوميَّة، وتمكن الفيروس من تحقيق اختراق ودخول البيت الأبيض المحصن وأصاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزوجته وحملته الانتخابيَّة.
وفي العراق دقت منظمة الصحة العالمية جرس الانذار بقوّة وأعلنت دخولنا مرحلة "التفشي المجتمعي" بفيروس كورونا، وعلى الرغم من تطمينات ممثل المنظمة في العراق أدهم إسماعيل بكون الوباء ما زال تحت السيطرة لكنه حذَر من أنَّ عدد الأسرة في مستشفياتنا لا يكفي إلا لنصف المصابين في عموم العراق ولا يستوعب الزيادات المستمرة، وهو يتحدث عن المصابين المسجلين رسمياً عدا غير المسجلين الذين يتكتمون على إصاباتهم ويحجرون أنفسهم في بيوتهم أو يتمشون في الأسواق متى أرادوا، والأخطر (والأدهم) في تصريحاته التي نشرتها (الصباح) قوله: "إنَّ العراق دخل حالياً في المرحلة الثالثة أما المرحلة الرابعة فستكون فيها البلاد موبوءة بشكلٍ كامل، الأمر الذي يتطلب من الدولة اتخاذ إجراءات سريعة وشديدة تتمثل بالإغلاق التام والعزل الكامل"، وهذا يعني أنَّ فيروس كورونا بلغ ثلاث مراحل في أقل من سنة واحدة وهو قادرٌ في سنة أخرى أنْ يبلغ المراحل الخامسة والعاشرة والرابعة عشرة!
والحق يقال إنَّ تحذيرات وزارة الصحة ووزيرها لم تتوقف وبحّ صوت الدكتور سيف، لكنَّ مدى الاستجابة يزداد ضعفاً وتراجعاً، فقد عادت التجمعات بشكلٍ واضحٍ مع بعض بوادر لعودة المصافحة والتقبيل أي (المطالس والبوس البوس الحضن الحضن) وباتت قلة قليلة صابرة مرابطة على الجبل ترتدي الكمامات وتنفذ وصايا التباعد الاجتماعي، أما الأغلبيَّة فغير آبهين بالمخاطر التي يجلبها الوباء الذي لا يرحم الفقير ولا الأمير ولا يوقّر كبار السن، بل يستضعفهم ويذلهم ويقضي عليهم، حتى لاحت في الأفق شائعات تعاون بين كورونا وسياسات الديمقراطيات الغربيَّة ضد كبار السن للتخلص منهم والتهاون في إنقاذ حياتهم وبتنا أمام احتمال الكشف عن فضيحة أخلاقية تهز العالم وجريمة كبرى ينفذها الكبار ضد الكبار، وما يعزز تلك التهمة والفضيحة هو النسبة العالية في الوفيات بين المسنين المغلوب على أمرهم إلى درجة أنَّ موتهم أصبح حدثاً عادياً ومبرراً بالعجز وكبر السن والأمراض المزمنة.
وإذا كان السيد أدهم قد حذّزنا من التهاون مع الجائحة فالمدير العام لمنظمة الصحة العالميَّة (تيدروس أدهانوم غيبريسوس)، أتحدى من يكرر قراءة اسمه ثلاث مرات وله جائزة من السيد أدهم، قال إنَّ بعض البلدان الغربيَّة تعمدت أو "أخذت راحتها" واتبعت سياسة الاستغناء عن كبار السن!. وإنْ صح ذلك فلا نملك إلا الدعاء على أولئك الذين تواطؤوا مع الفيروس للنيل من أصحاب الأجساد الطرية المتعبة الآباء والأمهات والأجداد والحبوبات، الله لا يوفق أي دكتاتور أو ديمقراطي غربياً كان أم شرقياً شارك عن عمد بهذه الجريمة ضد الإنسانية وحرمنا من بركتهم وظلهم الخفيف في بيوتنا، والله يرحم كل الأحبة الذين ودعناهم في عام توديع الأحبة الذي بشرنا به رئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون بمقولته الشهيرة (استعدوا لفراق الأحبة) ..وأشهد أنَّ السيد أدهم ألقى علينا الحجة وحذّرنا بما فيه الكفاية. 
ومن حذّر كمن بشّر، والكرة الآن في ملعبنا المفتوح الذي غادره نحو عشرة آلاف عراقي توفوا بسبب كورونا وعشرات الآلاف من المصابين، ولا نصيحة بعد كل هذه الفواجع والتحذيرات أهم من: الكمامة الكمامة التباعد التباعد التعقيم التعقيم الوقاية الوقاية وليس المصافحة والتقارب والتجمع ولا (الحضن الحضن البوس البوس) وإلا فنحن مقبلون على كارثة.