الإمام الحسين بن علي «ع» منهجاً وثائراً

آراء 2020/10/04
...

 زهير كاظم عبود  
 
لم تكن لحظة انفعال أو فكرة عابرة حين فكر الحسين بن علي (ع) أن يشكل صوتاً معارضاً للسلطة ليعلن موقفاً رافضاً لها، فمثل هذا الرجل يدرك جيداً كل معاني وتبعات الموقف المعارض لسلطة غاشمة توارثها الأبناء من الآباء من دون وجه حق، خلافاً لما سار عليه نهج الأمة في الشورى، وضاعت فيها قيم الحق والعدالة والدين، فلم يكن يزيد بن معاوية وهو أكبر أولاد معاوية بن أبي سفيان من الملتزمين دينياً في أدنى درجات الالتزام، 
ولديه ما يشغله عن الدين، ولم يكن له ذلك الاهتمام بالسياسة وإدارة الدولة، وكان طيلة فترة حكم والده معاوية خارج حلبة الصراع السياسي، وبهذا سجل التاريخ أول بدعة في الإسلام، وهي بدعة الحكم الوراثي التي جلبت ولما تزل الويل والثبور في نزعة تملك الناس والأرض للفرد وأسرته، حتى تحولت في الزمن المعاصر الى الجمهوريات الوراثيَّة التي تحكم العديد من الدول.بقي الحسين بن علي (ع) غير مقتنعٍ بمبايعة الحاكم ورفض جهاراً أنْ يستجيب لكل توسطات رجالات السلطة ومحاولات والي المدينة الوليد بن عتبة بالمبايعة، والمبايعة (كلمة) لا يتم توثيقها بوثيقة مكتوبة، ولا بتصديق من جهة مختصة، بل كانت كلمة يلتزم بها الرجل ويتحمل كل التبعات التي تؤسس عليها الموقف، الكلمة تعني الشرف والمبدأ والعقيدة، وهي تعني الكثير عند رجل مثل الحسين بن علي (ع).
قبل أن يقرر الإمام "ع" التوجه الى العراق كان قد توجه الى مكة والتقى برجال منها ناشراً اعتقاده بأنَّ يزيد بن معاوية لا يصلح أصلاً لقيادة المسلمين، وأنَّ العدالة غائبة في اعتماد الوراثة في الحكم، وأنَّ هناك أجدر وأقدر منه وأحق على هذه القيادة، ويبدو ذلك جلياً في الخطب التي كان يلقيها على مسامع الناس في مكة أو
 المدينة.
موقف الإمام الحسين (ع) لم يكن دعوة سريَّة وهمساً بين الرجال، كان واضحاً وصريحاً في عدم مبايعته للبيت الأموي، وأنه لا يمكن أنْ يعطي البيعة والشرعيَّة لحاكم مثل يزيد بن معاوية، وأنَّ موقفه هذا يشكل موقفاً سياسياً معارضاً، وتحدياً جدياً للسلطة، يعني هذا أنَّ الإمام الحسين ليس وحده من يتخذ هذا الموقف المعارض، وبين مكة والمدينة بقيت معارضة الإمام الحسين سياسيَّة تعتمد الحوار والإقناع والتمسك بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن 
المنكر.
الحسين بن علي (ع) تلميذ أمين في مدرسة الإمام علي بن ابي طالب (ع)، ومثل هذا التلميذ ينهل من معلمه ووالده كل الخصال المتميزة التي عرفها كل أهل الأرض، علماً وإيماناً وتواضعاً وكرماً وشجاعة وفكراً، ومن هنا نلمس ذلك التمسك الثابت بالموقف والدفاع عن الحقوق، وأنَّ الموقف المعارض والامتناع عن المبايعة مؤشرٌ واضحٌ على الموقف الثابت.
لم يكن الحسين بن علي (ع) طامعاً بسلطة أو منصب، مع أنه يمكن له أنْ يكون ذلك، فقد امتلأ فكره بضرورة الإصلاح، والتصدي لمنظومة الفساد والفاسدين الذين اعتمدتهم سلطة البيت الأموي، وبالإضافة الى منزلته الاجتماعية كان متمكناً مادياً يملك المال والضياع.
هاجس العدالة الذي تعلمه الإمام في بيت جده ومن والده ووالدته كان طاغياً على كل المحاولات والمغريات التي جربها أتباع يزيد بن معاوية للحيلولة دون انتشار واتساع موقف الحسين، مع أنَّ هناك رجالاً في مكة والمدينة اشتهروا بموقفهم المعارض لسلطة يزيد بن معاوية، وبعض منهم امتنع أيضاً عن المبايعة، لكنه لم يرتق الى موقف الحسين بن علي (ع) الذي اختلف عن كل تلك المواقف، حين تطور موقفه بالتوجه الى العراق استجابة لطلبات شعبيَّة عديدة وصلت عبر 
رسائل.
التحول في الموقف المعارض من الحيز الساكن الى المتحرك، فذلك يعني أنَّ قدوم الحسين بن علي (ع) الى الأرض العراقيَّة يعني أنَّ تحولاً في الموقف المعارض يمكن أنْ يهز عرش يزيد، ومثل هذا الموقف الذي يقوده الحسين (ع)، وهو ابن علي بن ابي طالب، وابن فاطمة الزهراء، وحفيد رسول الله (ص) سيقلب الطاولة ويحقق نتائج لا تسر السلطة ولا تطمئن لها. 
استجاب الإمام الى المطالبات الشعبية بعد أنْ اعتذر من كل وجهات النظر القريبة منه بعدم الذهاب، واعتمد حالة الموقف الثوري رغم قلة عدد الذين التحقوا به، وهو يعرف حق اليقين أنه بهذا العدد لا يمكن أنْ يواجه سلطة غاشمة تملك المال والجيوش والسلاح، متمسكاً بكلمة القناعة الراسخة في الوجدان والضمير ورفض المبايعة، وكان يمكن للحسين (ع) أنْ يتفادى تلك المواجهة غير المتكافئة بمبايعة الحاكم الظالم باللسان، وكانت الكلمة تعني الميثاق والموافقة تعني الدستور الذي يلزم الرجل، وهذه القيم التي يتمسك بها الإمام الحسين (ع)، لم تكن وليدة الواقعة، ولا أملتها الظروف، إنما كانت تلك الكلمة دلالة أكيدة وعميقة على رسوخ المبادئ الإنسانية في عقل الشهيد 
الخالد.
واليوم وبعد مرور هذه المسافة الزمنية من عمر البشرية لما تزل قضية ثورة الحسين بن علي (ع) تجسد بشكل حي كل معاني الثبات على الموقف والتمسك بالمبادئ دفاعاً عن الحق، وهذه المبادئ لما تزل تتوسع وتنتشر بين الناس طالما بقيت معاني الحرية والصمود والتضحية 
باقية.