في ذكرى الزيارة الأربعينيَّة..الإمام الحسين (عليه السلام).. أمير الإصلاح الخالد

ريبورتاج 2020/10/05
...

  ذو الفقار يوسف/ فجر محمد/ زينب صاحب
 
سقوط تناسب مع رقة النفوس بقربها من الرب، بكاء اجتاز امتحان الضعف ليكتسب الشجاعة، ذكرى تعلمنا كيف لنا أن نعيش ونموت في ذات اللحظة، إنها الاستئثار العظيم في بوابة الآهات، واختلاط الافكار عند ورود الظنون، فكيف لنا ألا نرى ذلك القديس الشامخ، تلك الهدية التي قُدمت لنا، أن نكون متيقنين بأنها الشيء الوحيد في العالم، الذي لا يستطيع أحد أن يأخذه منا، وما أن تمسكنا بها علمنا، بأننا دائماً وابداً على حق، إنها تلك الهبة المتمثلة بروح السلام، بلسم لجراحاتنا المتكررة، إنَّه الامام الحسين( عليه السلام).
وما أن تزاحمت العبرات لاستقبال هذه الايام، اقتنعت الارواح بأن مسلك الدموع قد تورد، وفتح طريقه ليحاكي القلب بهذا المعشوق، أن يتقاسم مع الروح هذا الوجع اللذيذ، لتخمد تلك الرغبات المستوحاة من طبيعتنا، لتؤكد لنا بأن لا فناء مع الحسين وآل بيته الاطهار(عليهم السلام)، أن نعيش هذه الحقبة بكل تفاصيلها وعمقها لنعرف مكسبنا باستشهاد سيد
الشهداء.
 
الحسين إرادة
لم تكن ثورة الحسين من أجل السلطة او المال، وانما كانت لاصلاح الامة، فقد قالها الامام "لم اخرج اشرا ولابطرا ولافسادا وإنّما خرجت لإصلاح امة جدي"، واليوم ونحن نرى هذه الجموع الغفيرة متجهة لإحياء هذه الزيارة العظيمة، وهي مؤمنة بمبادئ هذا الرجل العظيم وأهل بيته، الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل اصلاح الدين في ذلك الوقت، نرى شبابا خرجت قبل عام من الآن، مطالبين بحقوقهم وحقوق الفقراء، هكذا هو الدين عقيدة ومبادئ وفكر واصلاح وليس شعارات وكلمات رنانة فقط، واذا اردنا أن نستنير بهذا الفكر العظيم لا بدّ من أن نفهم المغزى الحقيقي للثورة، ولا نبحث عن قشورها، بل نتعمق لنكتشف الأفكار الحقيقية، والقيم التي أراد بها سبط الرسول أن يصلح الامة، وعلى من ينتمي لهذا الفكر أن يقتدي بأصحابه وأن يتعلم من تضحياتهم الجسام في سبيل دينهم وامتهم، ونحن كأفراد مجتمع لا بدَّ لنا من وقفة حقيقية تجاه كل ما يحصل حولنا، وأن نتحلى بالوعي الكامل، لنتمكن من بناء وطن وأمة يسودهما السلام والعدالة الاجتماعية، كما أراد الامام الحسين (عليه
السلام).
 
رمز الإخاء
ومع الكثير من التعاليم التي انشدها امير الحق، والطرق التي خلق فيها النور لينهي الظلام في مدن النفوس، كانت لأخيه العباس (عليه السلام) ملحمة اخرى لتعلمنا الأخاء، وتجعلنا نشاهد الوفاء في أبهى حالاته، ويقول لنا بانتصاراته الدائمة ان للوعد مذاقاً عذباً سيرتشفه من لا يخلفه، ومع هذه الرقة في المشاعر، جاءت تلك القوة التي اكتسبها من ابيه علي بن ابي طالب عليه السلام، تلك القوة التي لا يمكن التخلي عنها، ذلك الشعور الذي لا خداع فيه، وتلك المعركة العظيمة بين نقاء الروح والرغبات، فما أن توسد ذلك الماء بين انامله، اجتاح الاخلاص كفيه ليقول: لا يعترف امام الحواس بقانون الاحتياج والعطش، انه ذلك الكائن الذي بلغ منزلة التحكم والمقاومة من كل ما يحيي الكائنات في العالم، أن يطفئ الشعلات الجسدية ويجتاز مراحل الضعف، أن يمطر بالافضال على هذه الدنيا، أن يكون المخلص الابدي للحسين عليه السلام، أن يفقد اجزاء جسده ولا يعترف بالظلام، وأنْ يكون كما سمي منذ ولادته، قمر بني 
هاشم.
 
أم المجتمعات
لقد علمتنا الدنيا، بأنَّ أمهاتنا هن الفريدات في صناعة الحياة، هن اقرب الكائنات الى الجنة، المدارس والكتب والمعلمات الاوائل لكل البشرية منذ فجر الولادة، هن صانعات الاجيال ومالكات المستقبل، وامهات المجتمع، ومن قبلهن السيدة زينب بنت علي بن ابي طالب عليهما السلام، تلك الحوراء الزكية التي عشقتها السن العفة، وطوقتها ورود الطهارة، حفيدة الرسول الاعظم، وابنة الامام الحكيم، واخت الشهداء، فقد سطرت ملاحم العنفوان والكبرياء بأسمى صورها في معركة الطف، لتخلق رسالة لكل النساء، لكل أم واخت وابنة، وقالت لكل مرأة بأن المجتمعات لم تبنَ فقط بسواعد الرجال، بل إنّ المرأة هي اساس تلك المجتمعات، أن تعلمهن القوة وقت ذروة الضعف، والحكمة في اوج الانكسار، أن تقول لهن بأن لا مكان للخنوع عند بوابات الخوف، وان الظلام سيتلاشى ما أن سطعتن في وجه الشر، فقد قالت كلمتها في حضرته، وحزمت قرارات النهضة من اجل اعلاء كلمة الحق، ورغم الفقد!، رغم تعاقب المصائب على ام المصائب، كانت للايتام اماً كما عهد في ابيها، وللسبايا درعا وكافلاً كما اخوها العباس، وناصحاً ومعلماً ببسالة اخيها الحسين، حتى كانت للمجتمعات صرحاً من العفاف لا ينسى ما بقي ذكراها وبقي الليل والنهار.
 
نهضة الإسلام
لقد كانت وما زالت راية الاسلام مرفوعة، ولا سبيل لمن حاول تشويه هذا الدين، منذ اول نهضة قامت الى يومنا هذا، فالإرهاب واشكاله ما زالوا يتربصون بطريق الحق والسلام، وفي كل مرة يتلاشون، اذ ان امامنا الحسين عليه السلام كان القدوة التي التمست منه في ما بعد، النهضات المتعاقبة من اجل كسر شوكة الارهاب الغاشم، فخرجت الثورة الحسينية تنادي تأكيداً للرسالة المحمدية وثباتاً عليها وكما جاء في القرأن الكريم قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، لذا جاءت نهضة الإمام الحسين عليه السلام، صادقة فيها تلتمس الايمان والعزة بالنفس وكرامة الاسلام والمسلمين كافة، واليوم علينا الاستمرار بتأدية رسالة الأمام الحسين، ويجب أن ينعكس ذلك في أخلاق امته، ليكونوا خير من حمل رايته، ويعكسوا الصورة الحسنة والايجابية للثورة.
 
رسالة السماء
استولت على مشاعرنا غيمة الحروب المتعاقبة، وقد حطمت كل انسانيتنا، فكان حطام الازمات كفيلا بأن يغير ما يجب ان نكون عليه، ان نظهر كما ارادنا الامام الحسين عليه السلام، وما استشهد من اجله، وما قرر ان يفدي روحه لخلوده، فرسالة السماء مرهونة بكلمته وقوة اصراره على رفض الباطل واشكاله، ألا يكون مجرد ذكرى او تاريخ، ويقوم بقيامه في كل الازمان، وما أن ننغمس في ماضينا نعترف برسالة الحسين المستقبلية، أن نعترف بأنها مستمرة ودائمة المفعول ما دمنا نتنفس، وما دام الشر موجودا، ولا بدَّ من أن نتأكد عند رؤيتنا لمشاهد انبثاق خيالنا، إنَّ الثمن كان كبيراً جدا، لذلك كانت الرسالة اعظم، وهذا ما يجعلنا نتأكد بانها ليست عادية، اهدافها وعناوينها والتضحيات التي خضبت بالدم والسيف لكي تتحقق، لنعرف بأن طريق الحق وارد الحصول بالعزيمة والبسالة المطلقة، وكل ذلك لتتحقق رسالة 
السماء.
 
مسيرة العطاء
ما ان خطت تلك المواثيق الالهية في كعبة التضحيات، الا وقد أضيف لها عطاء لا حدود له، فعطاء الروح والدم والجسد هو الاعتراف بيقين المسيرة، والتشبث بالعقيدة هو التأكيد بطريق الحق، وها قد تعلمنا كما المناهج الاخرى من تعاليم آل البيت الأطهار، أن نقدم كل ما نستطيع تقديمه اسوة بالعطاء الاكبر لمن قدموا كل شيء في معركة الطف، أن نلتمس الوفاء بهذه الخدمة لزائري ومحبي آل النبي، ان نرتبط بهم بما نستطيع، وان نتقرب من هالاتهم المقدسة بهذه الخدمات البسيطة، لذلك ترى الشوارع والطرقات قد اكتظت بموائد الطعام والدواء وتقديم كل وسائل الراحة لمن تخط اقدامه في طريق الحسين عليه السلام، وليعترف الجميع، من أعطى ومن أخذ، من دعا ومن بكى، من أنشد قصائد العشق، ومن دق قلبه بكلمات الحسين، ان هذا الحب لا مثيل له في كل 
العالم.