هو الحسين!

آراء 2020/10/05
...

جواد علي كسار
مذهلة هي النصوص التي ترتبط بالزيارة الحسينيَّة، ليس بعددها الكبير الذي يتخطّى المئات بل الآلاف وحسب، بل بتفصيلاتها الدقيقة التي تدخل فيها، ففي مصدر واحد موثّق ومشهور، هو «كامل الزيارات» أو «كامل الزيارة» نجد أنفسنا أمام نحو «700» حديث متصلة بزيارة الإمام سيد الشهداء. 
من بين هذه النصوص ما يرسم لنا صورة مشهدية للمزار الحسيني، وما كان يجري في ذلك الوقت المبكر تاريخياً، من مظاهر الإحياء، إذ يقول الإمام الصادق (83 ـ 148ه): «بلغني أن قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم، ونساء يندبنه. فمن بين قارئ يقرأ، وقاص يقصّ، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي».
تكشف النصوص التأسيسة للزيارة الحسينية، عن مبادرة أئمة أهل البيت، في توجيه الناس صوب الزيارة والحثّ المؤكد عليها. من الوقائع الموحية أنَّ أحدهم يقصد زيارة الإمام جعفر الصادق، ويخاطبه في حضرته: «دعاني الشوق إليك أن تجشمّت إليك على مشقة»، فيقرعه الإمام الصادق، بقوله: «فهلا أتيت من كان أعظم حقاً عليك مني؟» فيُحار الرجل ويُصدم، وهو يسأل: ومن أعظم عليّ حقاً منك؟ فيجيبه الصادق عليه السلام: «ألا أتيت الحسين»!
وهذه العراقية من أهل الكوفة أمّ سعيد الأحمسية، تزور منزل الإمام الصادق عند رحلتها إلى المدينة، ثمّ تُبدي رغبةً بزيارة شهداء أُحد، فيوضّح لها الإمام: «ما أعجبكم يا أهل العراق، تأتون الشهداء من سفر بعيد، وتتركون سيّد الشهداء لا تأتونه»، ليقرّر لها قاعدة ستمضي حاضرة مع الزمان: «زوريه، فإنَّ زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال والنساء».
أبان بن تغلب شخصية مرموقة معرفياً واجتماعياً في الوسط الشيعي، يدخل على الإمام الصادق فيباغته، بالسؤال: «يا أبان، متى عهدك بقبر الحسين؟»، كأنَّ السؤال يربكه، فيجيب معتذراً: «لا والله يا ابن رسول الله، ما لي به عهد منذ حين»، تثير هذه القطيعة دهشة الإمام، فيقول مستنكراً: «سبحان الله العظيم، وأنت من رؤساء الشيعة تترك زيارة الحسين؟».
هو الحسين، وهذه هي جماهيره، من طبعه أن يعطي، ومن سجيته أنْ يفيض، نصّت على ذلك النصوص، ودلّت عليه يوميات حياة الإنسان المقبل على الاحتفاء بما يذكّر بسيّد الشهداء، وبما يُدني منه ويقرّب إليه، هو سرّ لا تنقضي عجائبه، وهو رحمة فيّاضة لزوّاره والمشتغلين بتعظيم شعائر الله فيه، كما للخلق أجمعين.