الشفاعة

الصفحة الاخيرة 2020/10/05
...

احمد  السعد
كلمة تتجاوز حدودها اللغوية، لتنسج عالما  من العرفان والتواصل والولاء، حدّ أنها تستشرف افقا يقرّب الانسان الى السماء، والى كل ما يغمر النفس في توقها وفي وجدها وشغفها وحبها وإيمانها. 
الشفاعة هي الكلمة المعنى، وهي الاستعارة الكبرى التي يستعين بها المؤمن لمساكنة النفس في سؤالها وفي قلقها، وفي نشدانها لمن تريد أن تلجأ اليه ليكون لها شفيعا عند الله، شفيعا يملؤها بالثقة،  ويشدّ وجدها الى المعنى الذي تتجوهر فيه الفكرة والدلالة والصورة.
عند شفاعة  الامام الحسين تتحول الكلمة الى رسالة، والفكرة الى ثورة، والنداء الى أملٍ يهب النفوس قوة وسموا، فشفاعته عند الله تحمل كثيرا من عصمته، ومن صبره، ومن شهادته، فالإمام صار سفينة للهدى كما يقول موروثنا الشعبي، بكل ماتحمله من دلالة على النجاة، والطهر، ومن دلالة تجعل من تلك الشفاعة قوة اخلاقية، وفكرة لقيمة الرسالة المحمدية، إذ كان الحسين العاشورائي هو الحسين  الرسولي ايضا، حامل الرسالة والبلاغة، والايمان والصبر والعلم والمعرفة والكبرياء، وهي حمولات تغرّست في الجسد والروح العلوي، حتى بدا الحسين وكأنه عنوان لكل الأزمان، منه ينهل اهل الكلام واهل الاجتهاد واهل المعرفة واهل الشهادة، وأهل المعارضات التي لم تهدأ منذ أن سال دم الحسين على ثرى كربلاء.
الحسين والشفاعة عنوانان للسيرة، فلا حديث عن الإمام الا عبر شفاعته، فهو الواهب للنفس صبرها وجلدها، وقوتها، وأن مايجعل الزائر الى بيته، هو ذاته الزائر الى شفاعته، حيث تتلازم الافكار والرسائل، وحيث يحضر بكل صوته العالي وشموخه ليمنح السائرين اليه وجدا، وثقة بأن الخلود هو هكذا، أن يكون الانسان قويا بإيمانه، وعمله، مشدودا الى تاريخه، عارفا بأمر دنياه، طالبا الخير والامان، عامرا بالموقف الذي يجعل الشفاعة سؤالا لله، سؤالا للحب والثقة، وامتلاء النفس ثقة بالايمان الذي جعلنا نهتدي بأئمة الهدى، بوصفهم صنّاع رسائل خير والامل، والذين أعطوا بجهادهم وشهاداتهم دروسا، ينهل منها الاتباع والمريدون مايجعل خطاهم الى كربلاء هي ذاتها الخطى التي رفضت الذل والخنوع، مؤمنة بأن طريق الحسين 
هو طريق الشفاعة.