سرور العلي
يحتاج كل من يملك القدرات والكفاءات إلى بيئة صالحة تحتضن إبداعه، لكي يسهم في تطور مجتمعه، لكن حين يتفاجأ بحياة اجتماعية واقتصادية محدودة مع بطالة متفشية وتدهور في البنية التحتية، يضطر للهجرة لبلدان تقدم له ظروفا معيشية أفضل وأنظمة تكنولوجية متقدمة، ومنحه فرصا في مجالات متعددة، واتساع مساحة الحرية الفكرية، وهذا ما يعرف بـ"هجرة الأدمغة"
وعادة ما تكون أكثر شيوعا في البلدان النامية نتيجة للدخل المحدود، والظروف المالية المتدهورة، وربما يرافق هذا تدهور الاوضاع السياسية او الامنية، وبذلك تفقد تلك البلدان علماء ومبدعين كان بإمكانهم المساهمة في بناء أوطانهم، ولكنهم فضلوا الهجرة الى بلدان اخرى، يواصلون عملهم وابداعهم العقلي. ومنذ الستينيات هاجر الكثير من أصحاب المؤهلات العلمية إلى البلدان الصناعية، او فضلوا البقاء هناك بعد اكمال دراستهم فيها، ولعبت العولمة دورها أيضا في ازدياد الهجرة، نتيجة لكثرة الاستهلاك والإنتاج وتبادل المعرفة، وهناك عدد لا يستهان به من هؤلاء هجروا العراق وأبدعوا خارج أرضه، كالمهندسة المعمارية زهاء حديد، التي رحلت وتركت بصمتها اللامعة في كل بقاع العالم، والكثير من الشباب الموهوبين، إذ برزت أسماؤهم في السنوات الأخيرة بابتكارات ومهارات فائقة. وتعمل هذه الهجرة على خسارة الثروات البشرية، ونقص في الكفاءات والتطور التعليمي والفكري، والافتقار للبحوث والدراسات العلمية، وقلة في القوى المنتجة، وتراجع جميع المستويات الاقتصادية والثقافية لصالح البلاد الجاذبة لهم، إذ يشكل هذا رصيدا يضاف إلى ريادتهم الفكرية، والمساهمة في التقدم التكنولوجي والصناعي، وهو ما يشكل إقصاء للعقول وجرفا للمهارات والكفاءات ونزيفا للثروات البشرية.
وتشهد البلدان العربية سنويا تسربا هائلا لحملة الشهادات العليا في المجالات كافة، خاصة في الطب والهندسة بسبب هجرة أبنائها، لو شجعت الدولة المهاجرين الأكفاء بتسخير خبراتهم وإبداعاتهم لخدمة أبناء وطنهم، وتوفير بيئة جيدة، وخالية من الفساد الإداري، ومنحهم فرصا وظيفية تحثهم على البقاء، والاستقرار وإنعاش الاقتصاد، وإعطائهم الثقة التامة لأسهموا في النهوض ببلادهم، وصناعة أجيال فعالة ومؤثرة.