(اقبض من دبش)

آراء 2020/10/11
...

 د. كريم شغيدل
 
 
هو مثل دارج يردده العراقيون، ويضرب في حالة اليأس من سداد دين أو استرداد حق أو استلام مبلغ مالي، وقصته معروفة، مفادها بأن محاسباً يهودياً يدعى(دبش) في مصلحة الموانئ في البصرة اعتاد أن يسلم العمال رواتبهم في الموعد المحدد، وحين نقل أو أحيل على التقاعد، تأخرت الرواتب، وصار العمال يرددون تلك العبارة كلما سألهم سائل عن موعد الرواتب، وهي العبارة ذاتها التي راح العراقيون يرددونها تهكماً بسبب تأخر الرواتب لشهر أيلول، وأن البعض تيقن من أن ما أشيع بشأن تسليم الرواتب كل(40) يوماً بات حقيقة، ومصير ما يقارب(4 ملايين) موظف رهن إشعار من المالية يصل إلى المصارف، والواقع لا علاقة للمواطن بتفصيلات الموازنة والاقتراض أو حتى الإفلاس، ذلك أن الراتب هو عقد مبرم بين الدولة والمواطن، والعقد شريعة المتعاقدين كما يقول التعبير القانوني، عليه من حق الموظف قانوناً أن يقيم دعوى قضائية ضد مؤسسته والمتسبب بخرق بنود العقد الذي من أساسياته استلام الراتب بموعد محدد.
منذ سقوط الصنم ونحن نتطلع ونأمل ونمني الأنفس ولو ببصيص أمل للنهوض، لكن للأسف الشديد، مرَّ(17 عاماً) والبلد في تراجع، فلم تبنَ التجربة على فلسفة اقتصادية واضحة، فلا نحن دولة ريعية ولا اقتصاد حر، ولا نحن رأسمالية ولا اشتراكية، الفلسفة الوحيدة السائدة هي الفساد تحت شعار(اسرق.. اسرق.. حتى يؤمن بك الآخرون ويتبعون ملتك) ولا شيء يضاهي الفساد المالي والإداري في عراق اليوم، ويبدو كما لو أنه ثمة تخريب مبرمج لاقتصاديات البلد، فلا زراعة ولا صناعة ولا تصدير ولا تصنيع ولا استثمار، إيرادات نفطية خاضعة لتقلبات السوق العالمية تتحول إلى رواتب، نسبة كبيرة منها في جيوب الطبقة السياسية، سواء بصفة رواتب وامتيازات أم عن طريق السرقة، وأظن من المخجل ألَّا نرقى حتى لمستوى الدول الفقيرة، ونحن دولة نفطية، فبرغم كل الأزمات لم يحدث أن تعطلت الرواتب في مصر أو الهند أو جيبوتي أو موريتانيا أو الصومال.
بعد سقوط الصنم كنا نمني الأنفس أن نكون كاليابان، نمواً اقتصادياً ورقياً حضارياً وتطوراً تكنولوجياً، لكننا الآن نردد(اقبض من دبش).