عبدالزهرة محمد الهنداوي
الصدفة وحدها، منحتني فرصةً لأتابع ذلك المشهد، اذ اقبل الرجلان، والابتسامة تعلو وجهيهما، فطرقا باب بيت جاري، الذي شرع قبل ساعة ببناء غرفة صغيرة على سطح بيته بمادة الـ"سندويچ پنل"، بعد ان جمع مبلغا بسيطا، مكنّه، من تنفيذ هذا المشروع! فتح لهم الباب، فتحدثا معه حديثا لم اسمعه لبعد المسافة بيننا، ولكن الرجل، سرعان ماناداني، طالبا مني التدخل، فسألت ما الامر؟، أجابني بامتعاض، ان الأخوين من البلدية، ويريدان أن يسجلا عليّ مخالفة وغرامة مالية، بسبب بناء مخزن صغير في اعلى السطح، من دون موافقات، قلتُ له: إن موقفهما سليم، وعليهما تطبيق القانون بحق المخالفين، وهنا ارتفعت حدة الكلام بين الطرفين، وقرر الرجل طردهما قائلا لهما، اذهبا حيث شئتما وافعلا ما تريدان، وهمّ باغلاق الباب، لولا أن امسك به الخمسيني بيده!، وقال له بصوت خفيض:"حجي ليش عصبي، بيك خير وتدلل، احنة ما نريد منك اي شي، بس نريد نتريگ، انطينا ريوگنا ناشف" واشتغل براحتك، حتى لو تبني قصر!" فمد الرجل يده في جيبه واخرج عشرة آلاف دينار، ودفعها لهما باستصغار واضح في نظراته، فغادر الرجلان، فرحين مستبشرين بما حصلا عليه!!!، ..إلى هنا ينتهي المشهد، وبعد متابعته، أيقنت قاطعا، ان ما يتحدث به الناس صحيح، ومثل هذا السلوك، موجود في الكثير من المفاصل، لاسيما في المؤسسات ذات الصبغة الخدمية، ومن المؤكد أن الذين يمارسون سلوكاً مثل هذا، يعتقدون انهم، يمارسون حقا من حقوقهم، بل ربما يتفاخرون بما يفعلون، على اعتبار انهم "يسعون لفعل الخير وخدمة الناس، وإلاّ فإن بامكانهم أن يجبروا جاري وغيره على مراجعة البلدية، ودفع الرسوم التي لن تكون قليلة، فيدفع عشرة آلاف لهم، بدلا من مئة الف يدفعها لـ"الحكومة"، وكذا الحال بالنسبة للضريبة، والجمرك وغيرها وغيرها الكثير، وتحت هذا البند، تخسر الدولة سنويا مليارات الدولارات، بسبب فساد الادوات المنفذة للقانون.
هذه السلوكيات، اصبحت تمثل "قيمة" اجتماعية لدى مثل هؤلاء، بلحاظ ان الرجلين اللذين شاهدتهما، كانا يمثلان جيلين وظيفيين مختلفين!!، وبالتالي كيف لنا ان ننقذ المجتمع والدولة والاقتصاد، من خطر فساد تغلغل في مفاصل السلوك، ليس على مستوى الوظيفة الحكومية وحسب، إنما في كل مفاصل الحياة..فإلى أين نحن ذاهبون؟