أ.د.عامر حسن فياض
في العراق أصبحت العلامة الفارقة للجودة الملموسة عند الأفراد والجماعات والمؤسسات تتمثل بالإجادة في تضييع الفرص! فالتحول المهم الذي عاشه العراق سنة 2003 كان فرصة ذهبية للانتقال به من كيان سياسي قاتل للحريات الى دولة حديثة ترفل بالحريات، بيد أن الفرصة ضاعت وانتقلنا به الى كيانات الحريات المنفتحة على الفوضى والمنفلتة على الوجع والكراهية والحقد!
ثم أخذت حالات ضياع الفرص تترى، حيث أردنا أن تكون التنوعات القومية و الدينية والمذهبية نعمة، فتحولت الى نقمة، لأننا لم نحسن ادارة التنوع، فضاعت فرصة الانتقال وأصبحنا في حالة انتقال من كيان دولة متسلطة على جميع التنوعات ولاغية لها الى سلطة تنوعات متسلطة على الدولة ولاغية لها ! بمعنى أدق انتقلنا من حكم الشمولية الواحدية الى حكم الشموليات التعددية مخلصين لشعار بناء ديمقراطية من دون ديموقراطيين ومستخدمين دستورا محكوما من قبل واضعيه من دون أن يحكم واضعيه!
لقد أردنا من تحولات عام 2003 وما بعده أن تكون البوصلة خدمة العراق اولا فأزداد عدد الاوائل تغولا وتقزم ( العراق اولا ) حيث اصبح من يكره اميركا ويخاصمها، لا لأنه يحب العراق بقدر ما انه يحب ايران، وحيث اصبح من يكره ايران ويخاصمها، لا لأنه يحب العراق بقدر ما انه يحب اميركا، وكذلك الحال على من يخاصم السعودية او تركيا او قطر، لا لأنه يحب العراق بل لأنه يحب خصوم هؤلاء!
وفي سياق تحولات ما بعد 2003 تم ربط الاصلاح والتغيير بالازاحة، مرة ازاحة بالهدم كما هدم الاميركان مؤسسات الدولة، التي لم يكن صاحبها صدام ولا البعث، بل صاحبها العراق وشعبه مثل المؤسسة العسكرية الوطنية العراقية تحت ذريعة الاصلاح والتغيير بالقطيعة مع كل ما تقدم، ومرة اصلاح وتغيير بازاحة جيلية لإدخال شيوخ الخبرة واللاخبرة جميعا في دائرة مناعة القطيع تحت يافطة "ازاحة جيلية "، بحجة ان الشباب والشباب فقط دون غيرهم هم قادة الاصلاح وصناع التغيير، دون الانتباه على أن الشباب اليوم هم موضع اهتمام من قبل الاخيار وموضع توظيف غير بريء من قبل الاشرار، الذي يزحفون للشباب بطرقهم الخشنة والناعمة، فتلك داعش تتحرك عليهم بطرقها الخشنة لتوريط الشباب بسفك الدماء تحت شعار الجهاد، كما ان الغرب الرأسمالي المتوحش هو الاخر يزحف للشباب بطرقه الناعمة، تحت مغريات الثورات الملونة و(الربيع) العبري التي لا تهدف الى التغيير والاصلاح بقدر ما تهدف الى الفوضى والخراب.