ترسيم حدود الدوائر الانتخابيَّة

آراء 2020/10/12
...

 صفوت رشيد صدقي *  
الدوائر الانتخابية المتعددة هي مناطق جيوغرافية محددة ذات كثافات سكانية متقاربة في وحدة ادارية معينة تخصص لأغراض الترشيح والاقتراع فى انتخابات عامة. قد تتكون الدائرة من عدد من المحلات في مركز المحافظة أو من قضاء واحد أو اكثر ومن ناحية عدد الدوائر والكثافة السكانية لكل منها، من الممكن الأخذ بمبدأ (مقعد واحد لكل مئة ألف نسمة) الوارد في الدستور وفي هذه الحالة تتحول المدن الكبيرة الى عدد من الدوائر الانتخابية ذات كثافة سكانية متقاربة، 
إذ قد يستحيل من الناحية العملية التقيد التام بعدد مئة ألف نسمة المذكور أعلاه لكل مركز، لذا فإن تجانسا باختلاف من 10 إلى 15 % يكون عددا مقبولا دوليا، ثمة عوامل أخرى يتعين الأخذ بها بنظر الاعتبار عند ترسيم حدود هذه الدوائر، منها سهولة التنقل داخل الدائرة الواحدة وتجنب العوارض الطبيعية، فمثلا من غير المعقول أن تتوسط الدائرة الواحدة عوارض طبيعية كالجبال او الأنهر، فضلا عن ذلك تراعى مصالح الأقليات العرقية والدينية بتعيين دوائر خاصة بهم.
 
الدعم الأممي
لترسيم الدوائر الانتخابية مناح سياسية حساسة وجوانب فنية معقدة، لذا يستوجب القيام به من قبل جهات مستقلة محايدة و بإشراك خبراء مختصين وفي حالة العراق من الأفضل توكيل الأمر إلى مفوضية انتخابات مستقلة فعلا والتي عليها الاستعانة بخبراء دوليين مختصين حصرا في هذا المجال، وتحت إشراف شعبة المساعدة الانتخابية التابعة لإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام بالامانة العامة للأمم المتحدة(.Electoral Assistance Division of the Department of Political and Peacebuilding Affairs) لتبيان استغلال ترسيم الدوائر الانتخابية لأغراض سياسية وهو ما يشار اليه في الأعراف الانتخابية بـ( Gerrymandering ) نسبة إلى "البيرت جيري" حاكم ولاية ماساچوسیتس الأمريكية فى قرن التاسع عشر الذى تلاعب بترسيم الدوائر الانتخابية لمصلحة حزبه و يتلخص الامر بتقسيم ولاية أو مدينة أو منطقة جغرافية الى دوائر انتخابية مصطنعة لأهداف سياسية و للتوضيح لنأخذ محافظة ميسان كمثل و نفترض بأن كلا من أقضية قلعة صالح و المجر الكبير و الكحلاء ومركز العمارة دوائر انتخابية وأن غالبية العشيرة الفلانية تسكن في قلعة صالح و لها أفخاذ فى قضاء العمارة، فيتم طبقا لهذا السيناريو رسم خارطة لمنطقة جغرافية تبدأ من مناطق من قلعة صالح وتنتهى بمناطق في قضاء العمارة، بايجاد ممر مصطنع بين قضاءي الكحلاء و المجر الكبير.
 
دائرة واحدة
لا يخفى على أحد بأن الكتل والأحزاب الكبيرة تفضل جعل العراق دائرة انتخابية واحدة أو على الأقل جعل كل محافظة دائرة واحدة لابقاء هيمنتهم على الساحة السياسية، ولكن حيث إن قانون الانتخابات المشرع قد نص في المادة 15 منه على اعتبار كل قضاء دائرة انتخابية مستقلة، فهذا يعني بأن مبدأ مقعد واحد لكل مئة الف نسمة قد أخذ بنظر الاعتبار ولتطبيق هذا المبدأ يتم تقسيم القضاء ذي النسبة السكانية العالية الى عدد من الدوائر الانتخابية حسب النسبة المنوه عنها اعلاه، وبالنسبة الى قضاء اقل سكانا فيتم دمج قضاءين او اكثر لخلق دائرة انتخابية واحدة. والآن لنأخذ محافظة الأنبار كمثال على ذلك، فبحسب بعض الإحصائيات أن عدد سكان قضاء الرمادي هو 570 الف نسمة فيتم تقسيم المدينة الى خمسة دوائر انتخابية بواقع 114 الف نسمة لكل دائرة ولما كان ذلك غير ممكن من الناحية العملية كما نوهنا سابقا، فسيقوم مبدأ التجانس من 10 الى 15 % المشار اليه اعلاه بحل هذا الإشكال لنا.
الاحصائية نفسها تشير الى أن عدد نفوس أقضية عانة وراوه والرطبة هو 30 الفا و 25 الفا و 60 الفا على التوالى و هكذا سوف تشكل الأقضية الثلاثة وهى متجاورة جغرافيا دائرة انتخابية واحدة، ولربما يلتبس على البعض مسألة التصويت بالنسبة الى ناخبي هذه الأقضية من حيث التباعد، فنقول إن مواقع المراكز الانتخابية حيث يدلى ناخبو الدائرة بأصواتهم فيها ستكون منتشرة في عموم هذه الأقضية ربما بما لا يقل عن 100 محطة انتخابية موزعة على الأقضية الثلاثة. فيما يخص حصة المرأة البالغة 82 مقعدا انتخابيا فتعالج بمادة خاصة تنص على تخصيص 25 % من مقاعد كل محافظة لهن واعتبار عموم المحافظة دائرة انتخابية واحدة لهذا الغرض ويتم وضع صندوق مستقل لها في محطة الاقتراع. وبالنسبة الى ترسيم الدوائر الانتخابية فى المراكز الحضرية ذات كثافة سكانية عالية، فإن العملية ليست بالصعوبة التى يروج لها البعض، فثمة متسع من الوقت بحدود ثمانية أشهر لحين الموعد المعلن من قبل رئيس الوزراء لإجراء الانتخابات وإذا ما طرحنا المدد القانونية المخصصة لعرض وتحديث سجل الناخبين، فستبقى امام مفوضية الانتخابات الوقت الكافي للقيام بهذه المهمة، فمن جانب تحوي قاعدة البيانات الخاصة بسجل الناخبين، إضافة إلى أسماء الناخبين عناوينهم وعناوين مراكزلاقتراع الخاصة بهم أيضا، بحيث يسهل تسقيطها على الدوائر ثم بإمكان المفوضية بواسطة (موظفى يوم الاقتراع) الموجودة أسمائهم وعناوينهم لديها بعد تنظيم ورشة عمل لمدة عدة ساعات فقط لهم عن طريق مكاتب المفوضية فى المحافظات كافة وبالتعاون مع دوائر الجهاز المركزي للاحصاء إتمام هذه المهمة، (هذا إذا تركنا موظفي الحكومة جانبا لتفادي الانحياز الحزبي) في غضون يوم واحد ولا حاجة إلى فرض حظر التجول، كما في حالة الإحصاء السكاني العام ويكفي أن يتواجد أحد افراد الأسرة في الدار مع بيانات الأسرة ومن ناحية كلفة هذه العملية لست أبالغ، إن قلت بأن شباب ثورة تشرين وأعضاء منظمات المجتمع المدني غيرهم من المواطنين سيبادرون الى التطوع للمشاركة في هذه الحملة الوطنية وبهذا نحصل على سجل انتخابي أولي يعرض على الناخبين للتحديث.
 
الضغوط والتدخلات
ثمة من يطعن بتوزيع الدوائر الانتخابية على عدد مقاعد المجلس بحجة التأثير الكبير للمال السياسي وسطوة السلاح ونفوذ العشائر على مجريات العملية الانتخابية، وفي الوقت الذي لا يمكن نكران ذلك بغض النظر عن حجم الدائرة في عراق اليوم مع الأسف، إلا انّ تدخل تلكم العوامل فى الدائرة الصغيرة سيكون مفضوحا بحيث يسهل تشخيص القائمين بالخروقات الانتخابية و بالتالي تعريضهم للعقوبات (الانتخابية) وعقوبات تبعية أخرى بموجب القوانين العقابية النافذة مع عزوف الناخبين عن التصويت لمن يرتكب خروقات انتخابية. طعن آخر مفبرك هو ان المرشح الفائز سوف يمثل قصبته او محلته فقط وليس العراقيين جميعا وهذا الادعاء مردود للأسباب التالية أولا إن صح ذلك فإنه يصح مع جعل المحافظة دائرة واحدة أيضا ثانيا إن الاختصاص الحصري لمجلس النواب هو تشريع القوانين ومراقبة الأداء الحكومي، وفي ما يخص التشريع فإن القوانين تشرع لعموم العراق وليست للمدن و الأقضية، ثم إن الحكومة ليست مجلس الوزراء في المنطقة الخضراء أو الوزارات في بغداد، بل جميع الدوائرالتابعة لمعظمها وصولا الى مركز الناحية ولما كان الفساد المستشري ينخر في جميع مفاصل الدولة بما لا يختلف عليه اثنان فسيكون للبلد شبكة رائعة من ممثلي الشعب منتشرة على 329 رقعة جغرافية تغطي عموم العراق لمراقبة هذا الأداء من ناحية و لإيصال مظالم اقضية الكرمة، سميل، المدينة، الحيدرية، ماوت، النصر، البعاج، الوركاء و الحمزة واللواتي معالي الوزير و سعادة النائب لم يسمعوا عنها، اللهم إن كانوا من اهاليها. الانتخابات النزيهة والعادلة وفق المعايير الدولية هي في الحقيقة (پاكيج) متكامل يبدأ من سجل انتخابات دقيق و نظيف مرورا بقانون انتخابات عادل وبمفوضية انتخابات مستقلة فعلا والتي لم يعرف العراق مثلها منذ انتخابات سنة 2005 ووصولا إلى يوم اقتراع آمن و بحضور مراقبين محليين ودوليين والاعلام و ممثلي المرشحين في كل مركز انتخابي، وعن طريق البطاقة البايومترية حينئذ سيكون الناخب وحده في كابينة التصويت دون خوف أو وجل ليمنح صوته لمن يشاء دون أن يؤثر المال و السلاح و العشيرة في خياره وفي غياب تلك العناصر، فإن الناخب سيفقد ثقته بكامل العملية ويقعد في البيت لمشاهدة مسرحية مأساوية و هذا ما تصبو الكتل و الأحزاب
 اليها.
 
* عضو مفوضية الانتخابات الأولى