الإنسان كما يقول فنس بوسنت أصبح في هذا العالم مثل النملة التي تركب على ظهر الفيل .. تتجه شرقا بينما هو يتجه غربا .. فيصبح من المستحيل أن نصل إلى ما نريد ، واهم مانُريد ان نكون سعداء فكل لهاث الانسان يُخاض باسم الوصول للسعاده ، التي لن نصل اليها أبدا مادمنا نملة على ظهر فيل ، هناك حكاية من التراث الصيني سوف أوجزها لكم، وهي بدورها ستوجز لكم فكرة مهمة عن اللهاث وراء السعادة.
يحكى أن أحد التجار أرسل ابنه لكي يتعلم سر السعادة لدى أحكم رجل في العالم .. مشى الفتى أربعين يوما حتى وصل إلى قصر جميل على قمة جبل وفيه يسكن الحكيم الذي يسعى إليه وعندما وصل وجد في قصر الحكيم جمعاً كبيرا من الناس انتظر الشاب ساعتين لحين دوره ، أنصت الحكيم بانتباه إلى الشاب ثم قال له : الوقت لا يتسع الآن وطلب منه أن يقوم بجولة داخل القصر ويعود لمقابلته بعد ساعتين ، وأضاف الحكيم وهو يقدم للفتى ملعقة صغيرة، فيها نقطتان من الزيت : أمسك بهذه الملعقة في يدك طوال جولتك وحاذر أن ينسكب منها الزيت ، أخذ الفتى يصعد سلالم القصر ويهبط مثبتاً عينيه على الملعقة .. ثم رجع لمقابلة الحكيم الذي سأله : هل رأيت السجاد الفارسي في غرفة الطعام ؟ الحديقة الجميلة ؟ .. وهل استوقفتك المجلدات الجميلة في مكتبتي ؟ .ارتبك الفتى واعترف له بأنه لم ير شيئا .. فقد كان همه الأول ألا يسكب نقطتي الزيت من الملعقة ..فقال الحكيم : ارجع وتعرف على معالم القصر .. فلا يمكنك أن تعتمد على شخص لا يعرف البيت الذي يسكن فيه ..عاد الفتى يتجول في القصر منتبها إلى الروائع الفنية المعلقة على الجدران .. شاهد الحديقة والزهور الجميلة .. وعندما رجع إلى الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأى ..فسأله الحكيم : ولكن أين قطرتي الزيت اللتين عهدت بهما إليك ؟ .. نظر الفتى إلى الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا! فقال له الحكيم : تلك هي النصيحة التي استطيع أن أسديها إليك ، سر السعادة : هو أن ترى روائع الدنيا وتستمتع بها دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت ، فهم الفتى مغزى القصة فالسعادة هي حاصل ضرب التوازن بين الأشياء وقطرتي الزيت هما الستر والصحة .. فهما التوليفة الناجحة ضِد التعاسة ( انتهت هنا الحكاية )
كم هي مختصرة مختزلة فنحن نقحم أنفسنا في التعاسة دون قصد او وعي من خلال سقوطنا في فجوه تتكون يوما بعد يوم بين قدراتنا وتوقعاتنا ، فالاولى محدودة ولا ندرك انها محدودة والثانية نرفعها ولا ندرك اننا نرفعها لدرجه تكسِرُ رقابنا ، ربما يقول قائل لكل مجتهدٍ نصيب وهذا صحيح ولكن مافائدة ان نجتهد دون تنظيم؟ ونكون مليئين بالنشاط دون هدف ؟ كالسناجب فهي مخلوقات تفتقر إلى التنظيم رغم نشاطها وحيويتها فهي تقضي عمرها في قطف وتخزين ثمار البندق بكميات أكبر بكثير من حاجتها !
في مقالي الأول لهذا العام هدفي مما كتبت ان أبين اهميه عامل الزمن الذي وجب علينا أن لا ندعه يمر دون ان نستمتع بتفاصيل أيامنا على بساطتها ... وان نضع سقف طموحاتنا يتناسب مع مانمتلك من قدرات ، طبعا لايفوتنا ان نتذكر ان السعاده في العراق استثناء.. فمن تمكن من تحقيق امنياته فهذا ذو حظ عظيم ... فما نَعتبره امنيه في الوطن يدفع الآخرين في بقاع العالم الاخرى للضحك منا عندما يستوعبون ان بديهياتهم أماني بالنسبه
لنا .
اخيراً عام جديد ندخُله بحكايه صينية وعقليه غير سنجابه وتحت سقف من الامال يتناسب وقدرات من يعيش في ارض العراق فمقومات السعاده هنا مامرت بذاكره البشر ،،، بابتسامه كبيره الحمد لله اننا على قيد الحياه وقيد الوطن وعام سعيد .