هل غيّرت {أنا أيضا» النظرة الى حقوق المرأة؟

اسرة ومجتمع 2019/01/12
...

كارلا آدم وويليام بوث
ترجمة: بهاء سلمان
عندما برزت الادعاءات بارتكاب قطب هوليوود “هارفي واينشتاين” لاعتداءات جنسية سنة 2017، تم تأسيس حركة “أنا أيضا”#Me Too في الولايات المتحدة، وهي ظاهرة سرعان ما ترددت اصداؤها حول العالم بطرق مثيرة للدهشة، وأحيانا عميقة وغالبا محبطة للآمال.
ومنذ أكثر من سنة، تغيّر الحديث العالمي حول التحرّش الجنسي وأتخذ نواحي أسوأ، بيد أن التأثير الدائم للحظة يبقى غير واضح، فمن ستوكهولم الى سيئول ومن تورنتو الى طوكيو، انطلق سيل من الاتهامات، وتحدث الناجون علنا بدون خوف، وتم التعامل مع العديد من القضايا بجدية؛ وفقد رجال متسلطون وظائفهم، ودخل بعضهم السجن، لترى المجتمعات المتنوّعة، الليبرالية والمحافظة، ان التحرش الجنسي بدأ يعمل على التغيير.
وفي الخامس من تشرين الأول الماضي، وبعد أكثر من سنة على نشر صحيفة نيويورك تايمز قصصها الخاصة بواينشتاين، تم منح جائزة نوبل للسلام الى ناشطين سعيا لانهاء العنف الجنسي في مناطق الصراع، وهما الكونغولي دينيس موكويغي والعراقية الايزيدية نادية مراد، الناجية من محاولة اغتصاب. لكن مع جميع التوقعات المبكرة لكون الأشياء قد تغيّرت الى الأبد، فقد خفتت حركة “أنا أيضا”، أو لم تتصاعد على الاطلاق.
في بريطانيا، توجهت الانظار بسرعة من واينشتاين الى قصر ويستمنستر، حيث توجهت المزاعم ضد السياسيين البريطانيين، بضمنهم “مايكل فالون”، الذي استقال من منصبه كوزير للدفاع، و”داميان غرين”، الذي تخلى عن موقعه كسكرتير أول لرئيس الوزراء. وجرت المطالبة بمحاسبة الشخصيات العامة التي تتناول الكحول بافراط وتبدو “وسيمة” في الحفلات، وتعهد السياسيون باتخاذ خطوات عملية، لكن الناشطين شككوا بجدية هذا الالتزام. وخضع جميع نجوم الاعلام والمشاهير والنخب الحاكمة الى الفحص الدقيق، وكشفت بعض الصحف سلوكيات بعض مرتادي الأندية الراقية من تحرشهم بالمضيّفات.
 
توالي الانهيارات
سقط سياسيون في أماكن أخرى نتيجة محاسبات “أنا أيضا”، ففي كوريا الجنوبية، استقال “آن هي جونغ”، حاكم مقاطعة ومنافس على الرئاسة، بعد اتهام سكرتيره له باغتصابها أثناء رحلات العمل. ومع صدور حكم بتبرئته مؤخرا، لكن المدعون العامون استأنفوا الحكم، واعتذر آن علنا، مصرحا انه سيسعى ل”ولادة جديدة”. وفي اليابان، اتهمت صحفية مسؤول كبير بوزارة المالية بالتحرش الجنسي، ليستقيل مع نفيه للتهمة، وتم تجاهل الصحفية من شبكتها التلفزيونية. واشتكى اتحاد العاملين بالصحف اليابانية من “معاناة المحررات بشكل صامت، رغم كونهن يتعرّضن للمهانة والمعاملة
 المذلة.”
وتمت ترجمة وتحوير عبارة #Me Too، التي استخدمت لأول مرة من قبل الناشطة “تارانا بورك” سنة 2006، في بعض البلدان، من ايطاليا الى اسبانيا وصولا الى العالم العربي، حيث أصبحت تعرف باسم “أنا كمان”. أما في فرنسا، فقد عرفت الحركة باسم “الصراخ على خنزيرك”. سارعت الحكومة الفرنسية بالتحرّك، حيث قدمت “ميرلين شيابا”، وزيرة المساواة بين الجنسين، قانونا لحظر اطلاق الصفير غير المحتشم والتحرش اللفظي في الشوارع. وتم تفعيل القانون لأول مرة شهر أيلول الماضي، عندما فرضت غرامة قدرها 347 دولارا على رجل تلفظ بعبارات نابية على أمرأة في احدى الحافلات وصفع مؤخرتها.
ومع ذلك، فقد كان هناك رد فعل عنيف من تشكيك البعض بذهاب الحركة الى مديات بعيدة جدا. أتى الصد من مصادر تثير الدهشة، فقد كتبت ما يقارب مئة امراة، بينهم كاتبات واكاديميات وممثلات مثل كاترين دينوف، كتبن رسالة مفتوحة في صحيفة لوموند، دافعن فيها عمّا سمتهن “حق المضايقة”.
 
عدم اكتراث
في روسيا ودول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية والصين، جاهدت حركة “أنا أيضا” للانطلاق. ولدى الحركة النسوية في روسيا تأريخا معقدا، فلعقود من الزمن، تم احتقار هذه المفردة كونها تمثل هجوما غربي التوجه ضد مفاهيم النسوة الروسيات الخاصة بالأنوثة، كما شعرت حركات حقوق المرأة بكونها غير ضرورية في بلد كسبت فيه النساء الكثير من الحريات خلال الحقبة الشيوعية، ومنها حق التصويت والاجهاض القانوني، ليسبقن نظيراتهن الغربيات بعشرات السنين.
وعندما اندلعت فضيحة واينشتاين، كان رد فعل الروس، وبضمنهم النساء، كونه يمثل أحد ضحايا العار، وتقدمت ممثلات روسيات من جميع الأعمار لدعم واينشتاين، وتعرّت مجموعة من نساء روسيات أمام السفارة الأميركية في موسكو يحملن لافتة تقول “مرحبا بهارفي واينشتاين في روسيا.”
وفي دول جنوب الصحراء الأفريقية، برزت جنوب أفريقيا فقط بتوجيه اتهامات لأشخاص بارزين بالتحرش الجنسي بدفع من حركة “أنا أيضا”، لم ينتج عنها أية تحقيقات. ومع ذلك، عملت حالات قتل نساء واساءة معاملتهن على تصدر عناوين الصحف في دول مثل كينيا، ففي شهر أيلول الماضي، اتهم حاكم مقاطعة بتدبيره مقتل فتاة كانت لديه علاقة محرّمة معها، لكن التغطية الاعلامية المحلية، التي ركزت على مزاعم العلاقة الجنسية غير الشرعية للفتاة وامتناع الحاكم عن تناول الطعام في السجن، اقنعت العديد من الناشطات النسويات في البلاد بوجود الكثير لفعله قبل ان تستطيع حركة أنا أيضا من فرض تأثيرها هناك.
 
تأثير المشاهير
في الهند، حيث تظهر قصص الاساءة الجنسية في صناعة الأفلام الرائج سوقها، منحت بعض الادعاءات انتباها متجددا منذ انطلاق حركة “أنا أيضا”. وقبل عقد، ادعت نجمة بوليوود “تانوشري دوتا” علنا ان زميلها الممثل “نانا باتيكار”، الأكبر منها سنا بكثير، حاول ارغامها على تأدية رقصة تجعلها تتلامس معه بشكل غير لائق، لتنسحب دوتا من عالم الأفلام بعد الحادثة وانتقلت الى الولايات المتحدة، وخفتت القصة.
لكن عندما تحدثت دوتا مرة أخرى في صيف 2018، انتشرت قصتها بشكل واسع، لتصير وجها لحملة ضد التحرّش الجنسي في السينما الهندية، متلقية الدعم من شهود معاصرين للحادثة المزعومة، اضافة لعدد من نجوم بوليوود. نفى باتيكار الاتهامات، وتوقع البعض مواجهته لعواقب وخيمة. ويتم النظر غالبا للاتهامات بالاساءة الجنسية والتحرّش وحتى الاغتصاب في قطّاع صناعة الأفلام العملاقة الامكانيات كتلفيقات من قبل ممثلات متعطشات للفت الانتباه، او، أذا صح التعبير، ثمنا للشهرة.
ما هو القادم؟ يقول نشطاء حقوق المرأة ان النساء المتقدمات للافصاح عن قصصهن بامكانهن فعل الكثير جدا، وينبغي على الحكومات والأعمال التجارية فعل المزيد لاخماد التحرّش الجنسي. تقول “لورا بيتس”، الكاتبة البريطانية المهتمة بحقوق المرأة: “بعد مرور سنة، نرى الكثير يتساءلون ان كانت الحركة قد غيّرت شيئا ما. بدلا من ذلك، السؤال الذي نحتاج حقا أن نطرحه هو من يستطيع الأخذ بيد الناجيات الشجاعات اللاتي قدمّن مثل هذه الخدمة العظيمة بالتحدث علنا؟”
صحيفة واشنطن تايمز الأميركية