معجزات انتخابيَّة

الصفحة الاخيرة 2020/10/14
...

حسن العاني 
 
من المعروف بأن المعجزات، او الخوارق الالهية من حيث هي فعل رباني مرتبط بإرادة السماء وحكمتها، التي يستحيل على العقل البشري ادراكها وتفسيرها، ولكن حيثما تحولت تلك المعجزات الى ( الارض) وأصبحت( ظاهرة) في أي مجتمع من المجتمعات، الى الحد الذي تبتدع فيه الناس كل عام مئات الخوارق من مخيلتها او أوهامها، فذلك يعني أن ذلك المجتمع غارق في الجهل والتخلف، ويهرب من مواجهة متاعبه ومعاناته الحقيقية الى التعلق بمنقذ( روحي غيبي) لاعلاقة للروح والغيب والسماء به لكون ذلك المنقذ في حقيقته فعلاً بشريا بامتياز، تقف وراءه في السر مصالح وسياسات واجندات منوعة، داخلية او خارجية، حكومية او حزبية او فئوية.. الخ تستغل واقع الجهل وغياب الوعي، وليس بعيداً عن ذاكرة التاريخ مافعله رجال الكنيسة في اوربا القرون الوسطى الى حد بيع صكوك الغفران وأراضي الجنة وقصورها وبساتينها على بسطاء الشعب، مثلما رأينا كيف شاعت الخرافات على أنها من المعجزات أيام الاحتلال العثماني البغيض للعراق، ولن ينسى جيل الكبار ما فعله إمام اليمن وحاكمها قبل خمسة عقود تقريباً عندما كان يرتدي( جبة فسفورية) ويتخطى بها ليلا فوق سطح قصره مشيعاً بين الناس على أن الضوء الفسفوري الذي تراه الناس، انما هو ملك من الملائكة يحفظ الحاكم ويحرسه ويمده بتعاليم السماء!
يصعب علي القول إن حالة التخلف تستشري في العراق، والناس تبتكر مزيداً من الخرافات المضحكة، وتتحدث عنها مقتنعة ومؤمنة بأنها من الخوارق، والمشكلة لا تتمثل في هذا العدد الكبير من المواطنين، الآخذ بالتزايد واللهاث وراء(المبتدعات) الروحية الغيبية، منذ الاعلان في ستينات القرن الماضي عن ظهور عبد الكريم قاسم في القمر الى يومنا المبارك هذا، بل تكمن قبل ذلك في نفر، وان كان محدوداً، من قيادات البلد، التي غذت هذا التوجه ودعمته عن دراية وقصد بهدف تعزيز مواقعها ومصالحها وهيمنتها ونفوذها على تباين تلك المواقع والمصالح والأهداف.
لقد كرس النظام السابق ظاهرة( الخرافة – المعجزة ) في شخصية رئيسه، عندما أضفى عليه صفات خارقة في الفكر السياسي والثقافي والحزبي والاقتصادي والتربوي والحياتي، هذا غير المواصفات  المستحيلة في النضال والقيادة والشجاعة، حتى قاربت تلك الصفات والمواصفات في بعض الاحيان الصفات الربانية ومعجزات الانبياء، وأعتقد أننا نقترب اليوم من هذه الطريق، ومن يتابع– على سبيل المثال- طبيعة البرامج، التي تطرحها الحملات الانتخابية يدرك انها نوع من الخوارق والمعجزات، لأنها تتجاهل حقائق الارض الموضوعية، ومعلوم ان التحليق عاليا في عالم الأوهام هو المعجزة او الخرافة بعينها، ولذلك علينا ألا نستغرب من ظهور معجزة انتخابية يعد فيها بعض المرشحين ناخبيهم بانزال المطر بكميات تغطي حاجة العراق، وتوفير الكهرباء بكميات تدعو الى تصدير الفائض، وقد يتمادى بعضهم في معجزته ويزعم بأنه سيقضي على الفساد!