عوامل استمرار الانتفاضة قائمة

آراء 2020/10/18
...

 حسين فوزي  
ظن البعض أن انتفاضة 2011 أمكن تطويقها بالوعود وبعض الإجراءات الأمنية وشراء ذمم البعض، لكن ما حدث بعدها بأربعة اعوام، وأخيرا انتفاضة تشرين 2019، أكدت أن واقع معاناة العراقيين لا يمكن تخديره، ولا يمكن إسكاته سواء بالإجراءات الأمنية أو شراء ذمم البعض، فمعاناة غالبية ذوي الدخل المحدود، من الموظفين، والكسبة، إلى جانب بطالة الشباب، وانعدام الإحساس بالأمن، وشعور العراقيين بالإهانة الكبيرة من اسلوب استصغار العديد من أطراف الجوار والتدخل في الشأن الوطني العراقي، كلها عوامل موضوعية لاستمرار الانتفاضة، 
والسيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء مصيب حين يقول بأنه لم يعد في وسع احد أن يحصر العراقي في قمقم، بفعل تطور وسائل الاتصال، إلى جانب التراث الثقافي لحضارة العراق، والقيم التي دعا إليها الإمام علي ابن أبي طالب حين ردد “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.
فالعراقيون، بغض النظر عن مذاهبهم ومعتقداتهم، يجدون في الإمام علي ابن أبي طالب «ع» قدوة لهم في التعامل مع معطيات الحياة والسلطة، لذلك فإنَّ أغلب جماهير العراقيين من الشرائح الشعبية للمجتمع، إلى جانب المثقفين والعسكريين الوطنيين، هم مشروع استشهاد، كما كان سيدنا علي ابن أبي طالب، المقتدي بمربيه ومعلمه سيدنا النبي محمد ابن عبد الله «ص».
 
إرادة الإصلاح
إنَّ جماهير الانتفاضة، وهي شريحة واسعة، تزداد اتساعاً وفعالية، بفعل صفيح الأزمة اللاهبة اقتصاديا وصحياً وشبابياً وسكنيا، ما زال في نفسها بعض الصبر، بانتظار ما تحققه حكومة السيد الكاظمي، مؤيدة كل خطوة إيجابية، بدءاً من مساءلة العديد من المسؤولين من الدرجات الوظيفية الدنيا، متطلعة إلى أن يتصاعد سقف المساءلة إلى كبار المسؤولين الذين هدروا المال العام لتسمين الأقرباء والمحسوبين وشراء الذمم، واسترجاع أموال العراق المنهوبة.
كل هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، فإن العراقيين لن يقبلوا في زج العراق بمعارك لحساب الغير، ولن يقبلوا بسلطة تتجاهل موازين القوى الدولية والإقليمية، مما يؤدي إلى زج البلاد في معارك خاسرة جديدة بعد الحرب على إيران، وغزو الكويت، وما ترتب عليهما من حربين كارثيتين. فالتجربة علمت العراقيين أن السكوت عن النهج المغامر وأوهام القوة يعني تدمير حاضر الوطن ومستقبله. 
إنَّ كل ما يطرحه السيد رئيس الوزراء من أفكار إيجابية موضع قبول، لكن المسألة ليست ما يقال إنما ما يتحقق على أرض الواقع، ومن المؤكد أن الكاظمي يواجه مقاومة شرسة غير معلنة من الماسكين خفية للكثير من زمام السلطة، لذلك فإن الخطوة المطلوبة حالياً هي حراك جماهيري يدعم مسيرة الإصلاح التي أعلنها الكاظمي، ومع كل تقدم يتحقق في فك قبضة القوى المتسلطة.
عليه ينبغي على جماهير الانتفاضة طرح شعارات ومطالب قابلة للتحقيق، وفي الوقت نفسه احترام حق الإنسان في المعتقد وحرية التعبير، حتى إن كانت طروحاته تختلف مع قناعات الجماهير الساخطة، والحرص على أن يكون القانون وحده الفيصل في المساءلة لكل من خان الأمانة أو عدم الكفاءة في معالجة مشاكل البلاد.
وفي الوقت نفسه على الحكومة الانتصار أكثر فأكثر لإرادة الشعب وتطويق السلطة الخفية وتصفيتها بالاستجابة للمطالب المشروعة، بعكسه فإن الطوفان مقبل، بالأخص في ظل عمليات السلاح المنفلت التي لا تحترم المواطن ولا الالتزامات الدولية للعراق.
 
ترتيب الأولويات
لكن يظل التحدي الكبير الذي يواجه جماهير الانتفاضة هو عدم ترتيب الأسبقيات في المطالب، عدم التمييز بين ما يؤدي إلى خطوات حقيقية لتلبية المطالب المشروعة وما بين ما لا يكون في  الطريق الصحيح نحو الهدف، إنما هو في باطنه حرف لمسار الإرادة الجماهيرية، مثل المطالبة بنظام انتخابي قائم على أساس المركز الانتخابي الأصغر، فيما تؤكد التجربة أن الدائرة الانتخابية الواحدة المفتوحة لكل العراق هي الحل الأفضل لضمان حضور القوى الشعبية التي يحاول المتسلطون تطويقها بالمال والنفوذ والتهديد والقتل أحيانا.
كذلك الوعي بأن عملية انقاذ البلاد ينبغي ان تتم بكل الطاقات الخيرة، وهذا يستدعي عدم تجاهل وجود أطراف عديدة ممن تقلدوا المسؤولية بنزاهة وكفاءة وحرص، لا ينبغي تجاهل خبراتهم ولا إقصاؤهم عن المشاركة في البناء بحجة انهم تقلدوا مسؤوليات سابقاً...
كما أن القول باستبعاد الحزبيين عن المسؤولية هو إقصاء خطير لا يميز بين حزبيين نزيهين حريصين وبين متحزبين خانوا مبادئ أحزابهم والشعب، ولا يميز بين أحزاب لم يعرف عنها سوى النزاهة والتضحية وأحزاب تاجرت بالدين والوعود لكنها كانت وستظل بؤر فساد مستشرٍ.
  
مسؤولية صانع القرار
وفي تقديري أن المهام الملحة التي تستدعي تكثيف جهود وزارة السيد الكاظمي هي:
استكمال تشكيل مجلس الخدمة ومباشرته مهام عمله.
تشريع قانون موحد لسلم الرواتب، من أعلى درجة وظيفية في الدولة حتى أدناها، تكون فيه معادلة المهام الوظيفية العليا مسترشدة بمتوسط معدلات رواتب الدرجات الخاصة في الديمقراطيات العريقة، على ألا يتجاوز كحد أقصى 6 أضعاف، مع ضغط جميع المخصصات، بدءاً من السيارات والضيافة، ورفع ما يسمى بـ “المخصصات السرية”.
 تكثيف تشغيل المؤسسات الإنتاجية العاطلة، وتولي كل وزارة معنية بمكاشفة الرأي العام بانتظام عما تم انجازه، وكشف أية معرقلات.
 الإعلان عن رفض الربط السككي مع الجوار، وأن تكون المهمة الأولى في البصرة استكمال قدرة الموانئ العراقية، بدءاً من أم قصر، ودراسة عميقة لمدى الحاجة إلى ميناء 
جديد.
 ملاحقة السلاح المنفلت، واستكمال ضم القوى الخيرة المشاركة في محاربة القوى الظلامية ضمن أجهزة الدولة، شريطة التخلي عن أي انتماء حزبي لمن يعمل في القوات المسلحة، وتعزيز الرقابة في هذا المضمار لجهاز الاستخبارات العسكرية.
 تنشيط دائرة الرقابة المالية واعتماد تقاريرها ركيزة أساس لعمل الجهات المعنية بالنزاهة، مع الحرص على توحيد عمل هذه الأطراف.
 تدقيق عمل وحدات الضريبة والكمارك، والمتابعة المكثفة لهما، لأن العديد من هذه الوحدات حولت الرسوم إلى رشاوى تتلقاها مقابل التواطؤ على حقوق الدولة والمستحقات القانونية.
 حسم قضية المنافذ الحدودية، بضمنها إقليم كردستان، والعمل على مصارحة الشعب بشأن أي معوق، والعودة إلى ممارسة أسلوب “إقناع” الإقليم بالاستجابة لمستلزمات السيادة العراقية.
 حسم ملف المستحقات النفطية مع إقليم كردستان، وكشف كل الحقائق لمواطني الإقليم بشأن كيفية صرف ما يدفع لأربيل من مبالغ الموازنة العامة، خصوصاً ما يتعلق بالرواتب.
تأكيد حرمة الدم العراقي، واحترام حقوق الإنسان، بضمنها التظاهر والتعبير عن الرأي، وكشف كل من شارك في قتل شهداء الانتفاضة، أو اختطف المواطنين، أو هددهم.
الحرص على دعم القوات المسلحة، ضمنها الشرطة وأجهزة “المعلومات” الوطنية والخارجية، والالتزام بتكليفها بالواجبات المنصوص عليها في الدستور والقانون، وعدم إشغالها بمهام أخرى.
مراجعة قانون الأحزاب، وتأكيد ضرورة كشف الموارد المالية لها، مع المطالبة بكشف الذمم المالية لقادتها، كذلك المسؤولين في إدارة الدولة، ومساءلة كل من تبدو موارده وموجوداته غير منسجمة مع دخله الأصلي قبل توليه مهام العمل العام.
في رأيي، ومن قبلي الراحل د.مهدي الحافظ، في حالة ثبوت مقاومة السلطة الخفية ورموزها في البرلمان والأحزاب المتنفذة للمشروع الوطني، يتم تعليق البرلمان والدستور لمدة سنتين، من اجل تنفيذ هذا البرنامج.
 احترام ذات المواطن، حتى في حالة مساءلته أو إدانته، وعدم التعرض له بغير القانون، ومساءلة أي طرف يلجأ إلى البذاءات والقذف أو إطلاق التهم جزافاً، حرصاً على قيم المجتمع وعدم تشتيت الجهد وجرح القيم الأساس لحقوق الإنسان وكرامته.
هذه الخطوات تعني في الأصل ركائز حقيقة للسيادة الوطنية، يمكن على أساسها يكون موقف المسؤول العراقي قوياً بشكل يفرض احترام الجوار وبقية العالم، في ظل منهج الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ورفض أي شكل من إشكال التدخل بالشأن الداخلي، مع تأكيد حرص العراق على علاقاته الإقليميَّة والدوليَّة.ـ