إنتاج المعنى الشعري وعلاقته بفن الصورة الفوتوغرافيَّة

ثقافة 2020/10/25
...

   د. علاء كريم
 
تعدُّ علاقة الشعر بفن الصورة الفوتوغرافية من المقاربات السيميولوجية الحديثة، والتي تبحث عن مدلولات إيحائية من أجل الوصول إلى النسق الإيديولوجي المتحكّم في نوع العلامات المرتبطة بالصورة ولغتها التي تعمل على نقل الفعل إلى المشاهد أو القارئ، لتحفز ما في دواخله عبر تأثير العواطف والانفعالات، بمعنى ان الصورة ولغتها المترددة في معنى الكلمات الانفعالية لشكل النص، تصل بجوهر الرسائل البصرية وأدواتها الإجرائية المتداخلة مع كل العناصر داخل فضاء مركب، يجمع الأبعاد والأجناس، ليتم إنتاج بُعْدٍ تعبيريٍّ جديد.
 يجمع كتاب (سماءُ أسماءٍ مبللةٍ بالأشياء) للكاتب والناقد «اسماعيل ابراهيم عبد» بين الشعر وفن الفوتوغرافيا، والذي اعتمد مفهومين: في مجمل فصوله «نقد في الشعر» وفي الفصل الثالث على وجه التحديد «تأسيس مقترح لفوتوغرافيا الشعر» الذي سنتناوله بقراءة مغايرة لنوعية الوعي الذي تحركه أو تصنعه المشاهد للصورة الفوتوغرافية الآنية، التي تخلق فعلاً جديداً «للزـ مكان» الإيحائي للتاريخ الثقافي والفني.
اعتمد «المؤلف» الصورة المتخيلة بالشعر كونها رسالة منتظمة بقواعدها وآلياتها المرتبطة بالمعنى الدلالي، ومن ثمّ اشتغل على مفاتيح نقدية موجهة لكل شاعر يقرأ اللا مدرك واللا مفهوم واللا ملموس، على اعتبار أن للصورة مضموناً لما تتضمنه من رموز أو ما تحتويه من معانٍ، فضلا عن أن لها مضمونا ظاهرا ومضمونا مستترا وكلاهما يُكمل الآخر. 
نركز هنا على لغة الصورة الفوتوغرافية جماليا وآلية اشتغالها في منظومة الفنون البصرية الجديدة، ونتأمل بعض النتاجات التقنية ووظائفها الجمالية وخاصة إيقاع هيمنتها على حياتنا المعاصرة عبر إنتاج المعنى في ثقافة الصورة وتسويقها بشكل يفرض منهجية متكاملة لتحليل الرسائل اللغوية والبصرية، على اعتبار أن الصورة في شكل الخطاب هي في المقام الأول، وبعبارة أخرى، إن الصورة الفوتوغرافية خطاب مشكل غير قابل للتقطيع، وهذا ما يتوافق مع قراءة المؤلف «بأن الصورة تشكل في ذاتها بُعداً ونصاً فنياً يحفزان تصورات المتلقي، وتعد مؤشراً ذا ضغط إعلامي موجه إلى المتلقي المتابع لهذه الحركة، والذي سينزاح إلى الجانب الأدبي وأيضا الفني»، وعلى ضوء ذلك سيتم إنتاج خطوط وكلمات ومعانٍ، من أجل التواصلية لما لها من بعد بلاغي أو توضيحي، ومن ثم لايتم النظر إلى الصورة بوصفها شكلاً يقوم بدور جذب انتباه المتلقي أو إثارة اهتمامه، لكن يتم النظر إلى تكوينها وما تحمله من أفكار ومعان، هذا ما يؤكده «رولان بارت» على أن الصورة الفوتوغرافية رسالة حاملة لرسالة ثانية، أي نسق دلالي تواصلي مرتبط بالنسق الفكري وبالقيم والدلالات التي ينتجها هذا النسق، وذلك لوجود ارتباط وثيق بين الصورة والحدث الزماني أو تجمعهما علاقة تشكل لغة الفوتوغرافيا شكلاً ومضموناً، وهذا ما نتج عن تجارب مختلفة لأعمال فنية لا يمكن فصل الشكل فيها عن المضمون والذي يعتمد به على «المادة»، كما أن هناك عناصر يجب أن تعتمد عند خلق التكوين الجمالي بالنسبة للصورة، على وضع عناصر المنظر ضمن اشتغال الفكرة أو الحدث، ليتم جذب المتلقي ذهنياً والتحكم في مشاعره، وهذا مرتبط بقوة التعبير التي تعد من أهم عوامل التكوين الجمالي، لكننا نشير هنا إلى أن التكوين الجمالي للصورة ليس هدفا في حد ذاته بل إن مضمون الصورة هو الأساس، والتكوين هو عامل مساعد لإبراز المعنى أو الفكرة المصورة بواقعية.
الصور الفوتوغرافية ليست مجرد حرفة، لكنها في حقيقة الأمر نتاج مبدع ينفعل بالأحداث ويتأثر بحسِّه المرهف، ويدرك المواقف ويعكس إدراكه بصدق إبداعه، لذا فالصورة ليست مجرد صور لموضوعات أو لغة محددة، بل هي تكشف عن القيم الجمالية للفكرة التي أنتجت. وهذا ما يجعلنا أن نتوقف عند رأي «المؤلف» الذي اشتغل على الاختزال الصوري وعمل على تفاعل الملموس والمفكر به، بوساطة استحضار مبدأ التغير الدلالي للاستعمال الجمالي، فضلا عن التشكل الذهني للصورة بشكلها المرسوم، والمحسوس، من أجل تصاعد الفعل الدرامي الذي يسهم في تشكيل أدبية المشهد، وأدبية السرد، وفقاً لفعل الحكاية ومشهدها التدريجي الذي يحكي الحادثة بشكل منتظم، وفق عملية إبداعية خاصة بالتغير الإيجابي، والتطور الفعال في المجالات الإبداعية والذاتية. عكس المؤلف من خلال قراءته لموضوعة الكتاب وفصوله التي اختلفت وتنوعت، أن دائرة الفهم الشعري وجداً ونظماً وتجلياً، ترتبط بالواقع، وبالتجسيد التعبيري البصري المرتبط بالمعنى وصورته الفوتوغرافيَّة.