لم يحظَ تسلّم الروائي التشيكي-الفرنسي ميلان كونديرا لجائزة كافكا قبل أسابيع بأي تغطية إعلامية ذات شأن في المواقع الأدبية، ولا تناوله المتخصصون كحدث ثقافي أدبي يتضمن مدلولات لا يمكن فصلها عن سيرة ومنجز أحد أكبر الروائيين الاوربيين في القرن العشرين، يحظى بدوره باهتمام وتأثر بالغين في السرد العراقي بالتوازي مع اقطاب مدرسة اميركا اللاتينية بواقعيتها السحرية واساليبها اللاحقة في الجيل المعاصر. وربما كان الانشغال اللاحق لهذا الحدث بترقب نتائج جائزة نوبل للآداب قد أحدث خفوتاً بليغاً على جائزة اقل عالمية جاءت الى كونديرا «غير المحظوظ» على مستويات عدة رغم تفوقه وفرادته وابتكاره.
كل دراسة مسبقة لكونديرا تستند الى معرفة وتتبع او مساءلة لمحركات البحث تفضي الى محطات واضحة وأخرى مشتبكة في حياة هذا الروائي الكبير، وتدعو لإضاءة مدلولاتها وانعكاساتها كسيرة شخصية على مجمل انتاجه الأدبي. ثمة مشاكسة صلبة ومواقف إنسانية غير قابلة للمساومة على حساب ثوابته الواعية بينما من الناحية الأخرى هنالك جراح خلّفتها الأوطان وربّتت عليها الغربة، وهذه مفارقة في حياة التشيكي الذي حُرِمَ من مواطنته واكتسب هوية فرنسية بديلة اعتمدها كوثيقة شخصية وهوية ثقافية كتب عبر لغتها وثقافتها مجمل أعماله الروائية، ما تسبب بإشكالات سابقة في اعادة الاعتبار اليه من قبل المؤسسات التشيكية التي يقف منها دائما موقف الريبة والتصادم. جاءت جائزة كافكا أخيرا بعد استعادته لجنسيته الأصلية، رغم استحقاقه لما هو أكثر من هذا التكريم لكنه تكريم في الأخير ينطوي على دلالات كثيرة في ما يحيط بهذه السيرة للكاتب. وهكذا لم تُمنح الجائزة له إلا بعدما استعاد جنسيته التشيكية العام الماضي، ما يعني عودته إلى هويته الأم وانتمائه الوطني الأول. أي أنه فاز بها بصفته تشيكياً أولاً وفرنسياً ثانياً. ومسألة الهوية تعني الكثير لكونديرا ولمؤسسة كافكا وسائر مواطنيه التشيكيين. ومعروف أن كونديرا كان متعصباً لانتمائه الفرنسي لا سيما بعد حصوله على الجنسية عام 1980، وكان لجأ إليها العام 1975 هرباً من الاضطهاد والملاحقة الاستخباراتية له وتضييق الخناق على حريته كما جاء في سيرته.
كونديرا هو الكاتب الرقم عشرون الذي يفوز بـ «كافكا»، وقد سبقه إليها روائيون عالميون وتشيكيون ومنهم: الأميركي فيليب روث، البريطاني هارولد بنتر، التشيكي فاتسلاف هافل، الكندية مارغرت اتود، الألماني بيتر هاندكه، الإيطالي كلوديو ماغريس، الياباني هاروكي موراكامي، الفرنسي بيار ميشون.
وكان كتب كونديرا عن فترة نضاله وعن براغ والنظام الشيوعي في روايات عدة منها: «كائن لا تحتمل خفته»، «غراميات مرحة» و»كتاب الضحك والنسيان» وسواها. وفي مطلع مسيرته الأدبية والسياسية (1947) انضم كونديرا إلى الحزب الشيوعي ثم لم يلبث أن طرد منه.
وانخرط كونديرا عام 1968 جنباً إلى جنب مع أدباء آخرين مثل بافيل كوهوت بما أطلق عليه اسم ربيع براغ، وهي نشاطات إصلاحية أخمدها الغزو السوفييتي للبلاد في شهر آب من العام ذاته، في أعقاب الغزو السوفييتي وإخماد ربيع براغ سحبت من كونديرا جميع الوظائف التي كان يشغلها ومنعت مؤلفاته من النشر وسحبت من المكتبات، في عام 1979 سحبت الحكومة التشيكية الجنسية عن كونديرا ليصبح عام 1981 مواطناً فرنسياً يحمل الجنسية الفرنسيَّة.