رعد أطياف
في كل مرة يعكس الخطاب السياسي الواقعي هيمنة توجهاته وخطابه وحتى تنظيمه. مقابل ضعف القوة الاخرى في ادارة ملفات هذا الخطاب والنظر بنوع من اللاواقعية الى مايجري في المشهد.
هذا الموضوع ليس جديدًا على الإطلاق؛ فالعراق مجتمع تقليدي بعمومه، ومكوناته التقليدية هي المذهب والعشيرة، ولا ينتج زعامات سياسية واجتماعية خارج هذه البنية.
بتعبير آخر، إنه مجتمع ينتج زعاماته طبقًا لصورته التقليدية. وعلى الجانب الآخر توجد فئات اجتماعية ترتبط طرق تفكيرها وسلوكها، بشكل عام، بنمط التفكير الحداثي؛ إنها تنظر وتحلل المجتمع العراقي بعيون الحداثة!، غير أن ما يعيب هذه الفئات أنها لا تعي الدرس، وتقع بذات المحذور كل مرة، وتكرر ذات الأدوات. ومعلوم أن من يكرر ذات الأدوات سيكرر معه ذات الأحداث، فنقع في الدور والتكرار ومن ثم الانسداد، لقد تكررت ذات الأحداث الاحتجاجية ولم يتغير من الصورة شيء يذكر؛ تشرذم وتشتت واتهامات وتخوين وفقدان المركزية وفضفاضية المطالب وكراهية التنظيم!، لقد أصر القائمون على الحدث الاحتجاجي على رفض العمل التنظيمي وترك الأمور تسير بعفوية، لكن العفوية إن لم تؤطر نفسها بممارسة سياسية عقلانية ستدخلنا في منطقة السذاجة، ذلك إن التحشيد المنطقي، والشعارات السياسية التي يرفعها المحتجون، لا يمكن اختبارها إلّا في معمل السياسة. بمعنى، لا سبيل إليك سوى الممارسة السياسية لتثبت قوة ومصداقية هذه الشعارات، أما الخروج للتجمهر والاحتجاج والتوقف عند هذه الفعالية فحسب، فهي لا تعدو أن تكون طقساً سياسياً ومحاكاة رتيبة ينتهي بها الحال إلى خسائر فادحة في الأرواح!، وهذا ما حدث بالضبط في أحداث تشرين. مشكلتنا العويصة، كمجتمع، ببساطة شديدة: كثرة المنطق التجريدي وقلة الخبرة العملية. المنطق التجريدي المثالي يقول" عليك أن تستمر بالاحتجاج وتصرخ"، والمنطق العملي الموضوعي يقول" لا بدّ من تنظيم يوحد هذه الجموع". والكارثة الأكبر، وهي كارثة غير منظورة على ما يبدو، هي انحسار الحاضنة الشعبية لهذا العمل الاحتجاجي البريء. وفي مجتمع مثل مجتمعنا يغدو التأييد الشعبي أندر من الشمع الأحمر، بل من اللافت والإعجازي أن تتوفر على جمهور غفير خارج أطار التشكيلات الاجتماعية التقليدية، لكنّك خسرت هذه الحاضنة بعدم الإصغاء. حينما تخسر الحاضنة الشعبية، ترى على من ستراهن؟.