العسل والعلقم في باريس!

آراء 2020/10/31
...

 عبدالأمير المجر 
في العام 1826 رشّح الشيخ الازهري حسن العطار، طالبا نابها من طلابه، لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره، ليكون اماما وواعظا لبعثة دراسية مصرية من اربعين طالبا الى فرنسا، ارسلها محمد علي باشا لدراسة اللغات والعلوم الاوربية الحديثة في باريس، الطالب هو رفاعة الطهطاوي الذي عاد بكتاب (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)، ليغدو لاحقا احد اهم رواد النهضة الحديثة في مصر، فبعد أن أمضى هناك خمس سنوات، تعلم فيها الفرنسية، عاد ليؤسس اقساما متخصصة لترجمة علوم الرياضيات والطبيعيات والانسانيات، اضافة الى نشاطات ثقافية وصحفية، أسهمت في نهوض مصر التي كانت قد تعانقت مع فرنسا دمويا وثقافيا، بعد دخول نابليون اليها بجيوشه وعدّته الثقافية الكبيرة معا، والتي عاد بها عند هروبه المثير، تاركا رفيقه كليبر لمصيره الذي انتهى بطعنة نجلاء تلقاها من سليمان الحلبي، والتي حضرت اليوم برمزيتها الملتبسة، لتذكر بتلك الحقبة التي مثلت بداية لتنافذ ثقافي سياسي، وان اختلف البعض مع خلفيته الاخلاقية، كانت شعوب الغرب والشرق على حد سواء، بحاجة اليه، فالغرب الناهض كانت به حاجة لمصادر الطاقة، مثلما كانت بنا حاجة لحزمة ضوء تبدد ظلامنا الطويل.  في تلك الفترة لم تكن في فرنسا مجلة اسمها(شارلي ابدو) ولم تكن عندنا فصائل ارهابية، وعلى الرغم من استعمار فرنسا للجزائر ومن ثم سوريا ولبنان، بقي الخلاف بين العرب وفرنسا في سياقه السياسي، وعندما انتهت حقبة الاستعمار وحلت العلاقات المتوازنة بين الطرفين، صار التنافذ الثقافي واسعا يوازيه نشاط تجاري اوسع، السؤال الذي يطرح نفسه، هل يشك احد اليوم بان الارهاب والذبح عندنا صناعة مخابراتية اصلا، بدأت مع القاعدة قبل اربعة عقود وما زالت؟ وهذا يدعونا في المقابل لأن نشك ايضا بان تلك المنابر الاعلامية الاستفزازية، ان لم تكن صناعة مخابراتية اصلا، فقد استثمرتها المخابرات في لعبتها؟! قطعا لم يكن هذا النشاط (الاعلامي) بريئا، وقطعا لم يكن طرحنا هذا نتاج نظرية المؤامرة!
ما أحوجنا لوعّاظ مثل رفاعة الطهطاوي، يأخذون من فرنسا ما يفيد بلدانهم وينهض بها. وما اغنى فرنسا وغيرها عن منابر استفزازية لن تضيف لها ما يفيد الطهطاوي وامثاله من الباحثين عما يغني الحياة ويعز الانسان.. هناك وهنا!