خيال

آراء 2020/11/03
...

 د. كريم شغيدل
 
من يعتقد أن الحراك التشريني انتهى فهو متوهم، لأنه ليس مجرد تظاهرات احتجاجية أو فورة شباب غاضب، إنما أصبح نسقاً ثقافياً ينمو في خطاب مغاير، إذ كان الخطاب المغاير والمعارض والمختلف خطاباً أيديولوجياً منفعياً تتحكم به المصالح الجهوية فقط. الآن أصبح خطاباً اجتماعياً عاماً تتحكم به المصالح العليا للبلد، فليست هناك بوصلة طائفية أو عرقية أو حزبية توجه الخطاب التشريني، كما أصبح سلوكاً حرر الكثير من الذهنيات المنغلقة والنخبوية، فتجد المثقف الذي نزل من علياء النخبوية إلى الشارع كتفاً بكتف مع سائق التكتك، الذي ارتفع من قاع الشعور بالدونية ليطالب بوطن حر يضمن فيه مستقبله.
الانسحاب لدى البعض يعد انتصاراً، لشعورهم بأنهم حققوا أشياء كثيرة كالانتخابات المبكرة وقانون الانتخابات الذي يتساوق معه قانون المحكمة الاتحادية، وقبلها استقالة رئيس الوزراء السابق، والبعض يرى أن محركات خارجية هي التي تحكمت ببوصلة الحراك، وآخرون غلب عليهم الشعور باللاجدوى، وغيرهم يرون أن السيد الكاظمي استطاع احتواء الحراك وأعطى رسائل اطمئنان للثقة بما يسعى لإنجازه.
كل هذه الأفكار مقبولة ومنطقية بنسب متفاوتة، لكن حتى هذه الساعة هناك مطالب جدية وحاسمة لكل المواقف، أولها تقديم الجهات المسؤولة عن قتل المتظاهرين والنشطاء إلى القضاء العادل، وثانيها ملاحقة رؤوس الفساد واسترداد ما سرق من ثروات البلاد، وثالثها حصر السلاح بيد الدولة وحل ميليشيات الأحزاب المشتركة بالعملية السياسية أولاً، لكي لا يبقى عذر لبقية الفصائل المسلحة الأخرى، على وفق قاعدة كل سلاح خارج سلطة الدولة ليس شرعياً ما لم نقل إرهاباً، فالدولة التي يكون فيها سلاح الميليشيات أقوى منها والمال السياسي أكثر سطوة من مالها المتاح لا تسمى دولة.
أقول هذا وأنا على يقين من أن جهات لها سطوتها تتستر على القتلة وربما تبرر أفعالهم، ولا يمكن للسيد الكاظمي ولا لغيره قطع رؤوس الفساد في هذه المدة المحدود إلا بقدرة قادر، كما أن حصر السلاح بيد الدولة قضية أكبر من حجم الحكومة وقدرتها حالياً، وكل ما نطالب به هو ضرب من الخيال، لكننا نقول هذا للتاريخ.