أميركا بين عهدين: هل سيتمكن بايدن من رأب صدوع ترامب؟

آراء 2020/11/08
...

 د. قيس العزاوي
 «ولى مهرج أميركا غير مأسوف عليه!» قالها لي فلاح فرنسي بسيط واصفاً خسارة ترامب للرئاسة، ولا ادري لماذا تذكرت وصف عربي لحالة مماثلة قاله شعرا احمد مطر ورد في قصيدته «خطاب تاريخي: رأيت جرذا يخطب اليوم عن النظافة، وينذر الأوساخ بالعقاب، وحوله يصفق الذباب! لا شيء يؤكد أن ولاية واحدة للرئيس الديمقراطي جو بايدن كافية لرأب صدوع أحدثتها طموحات مقامر بسمعة بلاده وممزقاً لنسيج التحالفات والعلاقات الدولية، فلم يجمع العالم يوما على تفاهة رئيس ارتكب في الثلاث السنوات الاولى من حكمه 16200 كذبة وعملية تضليل،
 كان هذا الرقم حصيلة ما قامت به صحيفة «واشنطن بوست» استناداً إلى«قاعدة بيانات مدقق الحقائق» التي تتعقب وتصنف وتحلل كل بيان مشبوه يتفوه به الرئيس 
ترامب.
لا أحد يمكن أن يحصي فداحة الخسائر والحرائق التي احدثها «رئيس الغفلة» ترامب في اربع سنوات عجاف، نكل فيها بالصورة المشوهة اساسا للولايات المتحدة في العالم بفعل سياستها»الامبراطورية». لقد تصدعت بسبب سياساته الهوجاء العلاقات الدولية تماما، ووصلت علاقاته مع الغرماء حد القطيعة واعلان الحرب، التي تفاخر غير مرة بامكانية حدوثها، وكاد أن يخرج أميركا من جبهة الغرب، التي تعاني من شروخ ربما هي بداية انهيارها كما انهار الاتحاد السوفييتي عام 1989 .
لقد انسحب ترامب من 12 اتفاقاً دوليا وقعت عليه بلاده: انسحب من«الاتفاق النووي الإيراني» الذي وقع عليه اعضاء مجلس الامن الدولي، اضافة الى المانيا على الرغم من اعتراض حلفاء اميركا: فرنسا والمانيا وبريطانيا واقرارهم ان الاتفاق له صيغة «اطار قانوني دولي ملزم» فهددهم بفرض العقوبات عليهم. وقد انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، التي توافق عليها عام 2015، زعماء العالم (195 دولة من 197 ) اعضاء في الامم المتحدة. وعلى الجبهة العربية انسحب من كل المنظمات التي تنتقد احتلال اسرائيل للاراضي العربية وتنكيلها بالفلسطينيين مثل: انسحابه من مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة عام 2018، بسبب ما اعتبره ترامب إنحيازا للفلسطينيين وضد إسرائيل. وانسحابه من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو عام 2017 بتهمة معاداتها لاسرائيل وتأييدها 
الفلسطينيين. 
واوقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الانروا» عام 2018 . ونقل السفارة الاميركية الى القدس، خارقا قرارات الامم المتحدة باعتبارها أرضا محتلة، وجعل زوج ابنته جاريد كوشنر حفيد ممول الهجرة الى فلسطين وبناء المستوطنات ولياً على ما أسماه بصفقة القرن التي رفضتها جامعة الدول 
العربية. 
وعد جو بايدن بالعودة الى الاتفاق النووي والى اتفاقية المناخ والى بقية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وربما الى منظمة اليونسكو ومجلس حقوق الانسان والانروا، ولكنه عجز تماما عن اطلاق الوعود في الشأن الفلسطيني باستثناء الوعد بدولة، يعلم الله وحده والصهاينة حجمها ودورها ومقدوريتها على 
البقاء. 
كيف سيواجه بايدن استفحال الصين الاقتصادي ونفوذها الناعم في دول طريق الحرير وطرق التجارة الدولية وهيمنتها على الاسواق وخططها الناعمة التنموية وليست الاستعمارية في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، بل وفي اوروبا نفسها من خلال الاستثمارات وشراء الشركات والعقارات وتمويل 
المشاريع؟ 
كيف سيواجه نهوض الاتحاد الروسي واستعادته مواقع الاتحاد السوفييتي بلغة مفهومة غربياً، كيف سيواجه امتداد روسيا الستراتيجي الى المياه الدافئة وازدياد قواعدها العسكرية ونفوذها السياسي وبخاصة على ايران وتركيا، وامتداد نفوذها الديني الى قلب اوروبا الارذودكسية في اليونان ودول البلقان؟
كيف سيعمل بايدن بشكاوى عموم الاوروبيين من أمركة حياتهم وأمنهم ودفاعهم وأنموذج ثقافتهم التي تتسع ومطالبة قادتهم بسرعة الفطام عن الثدي الاميركي، والاستقلال الامني بوجود جيش اوروبي موحد واقتصاد حر سيادي ومساحة كافية في الفضاء السياسي 
الدولي؟ 
كيف سيواجه بايدن ايران هل بالاحتدام والعقوبات ام بعودة التآلف والتنسيق وعلى حساب من سيكون ذلك؟ ما هو مخطط بايدن لاسترجاع تركيا المنفلتة من القبضة الاميركية وإعادتها الى بيت الطاعة؟
أسئلة كثيرة ربما تجد اجوبتها في العهد الاميركي الجديد للرئيس بايدن، ولكن ليس بوسعنا سوى أن نردد ما سبق أن غناه المنلوجست العراقي المرحوم عزيز علي حين قال: «الرقعة صغيرة، يا خلق الله، والشق كبير. يا ناس الابرة ما تحفر 
بير»!!