"روما".. حصان الاوسكار الرابح

الصفحة الاخيرة 2019/01/15
...

علي حمود الحسن
عرفت المخرج المكسيكي الهوليوودي ألفونسو كواران (1961) من خلال فيلمه “أطفال الرجال "(2006) الذي يحكي نهاية متخيلة لكوكبنا الأرضي، ومحاولة مجموعة يقودهم صحفي وثوري سابق مدمن، لإنقاذ الجنس البشري عن طريق تهريب آخر النساء الحوامل، وهي زنجية شابة تحمل في احشائها الطفل الموعود من أب غير شرعي، وتقع احداث الفيلم في لندن 2027، حيث يحكم المدينة ارهابيون وقتلة وفاشست، انه عالم دستويبي (ضد المدينة الفاضلة)، ومثلما كتبت مرة عن الفيلم" فنحن لا نرى كابوساً في عالم متخيل، إنما نرى جحيمنا، وهو ذاته جحيم المخرج الذي يعاني اصلاً  من اشكالية الهوية والانتماء، فهو مكسيكي ومعني تماماً بهذه الثنائية، التي تتفجر بين الفينة والأخرى، ومنذ ذلك الحين وانا أقتفي اثر صاحب "هاري بوتر وسجين أزكابان" القلق والمقل، بعد ذلك أخرج فيلمه "الجاذبية"(2013) الذي حاز على سبع جوائز اوسكار منها " أفضل مخرج"  وتدور احداثه  حول رائدي فضاء –رجل وامرأة-  يتيهان في الفضاء اللامتناهي بعد ان يفقدا الاتصال بمركبتهما الام، ليكونا بمواجهة " الوحشة" و"السكون" و "الخوف"  فيتجردان من اثقال روحمها الأرضية ليتسقا مع استحقاقات المطلق، ومحاولتهما الأسطورية للبقاء على قيد الحياة ، هذا الفيلم الذي صوره ايمانويل لوبيزكي بتقنية "إيمكس"  ثلاثية الابعاد، يعد الأكثر إعجازا في تاريخ السينما، بعد ذلك احتاج كواران خمس سنوات – ليست عجاف على اية حال- ليحقق حلما طالما راوده بإخراج فيلم عن طفولته، فقرر إخراجه بالأسود والأبيض وبكاميرا 65 ملم رقمية، وبنى بيتا متخيلا لبيت طفولته الأولى؛ وطنه الأول بمفهومية سانت اكزوبري في "اميره الصغير" ، وأسماه "روما " تيمنا بالحي المكسيكي الذي يسكن فيه، ليقدم لنا تحفة بصرية سردية بكل المقاييس، اختزال بالأحداث، واقتصاد بالشخصيات، فأبطاله أربعة أطفال وامرأتان، الأطفال هم اخوته، والنساء احداهما أمه والأخرى خادمة البيت ومربيته، الاثنتان مستلبتان؛ فأمه تركها زوجها ليرتمي في أحضان عشيقته، ومربيته كليو(تمثل لأول مرة) تركها حبيبها بعد ان حملت منه لتواجه مصيرا مجهولا، وبدلا من الانكسار تواجها مصيرهما بقوة وتحد.
عبقرية كواران تكمن في تناوله السردي المبتكر، فعلى الرغم من كون أحداث الفيلم تقع في سبعينيات القرن الماضي، ابان اضطرابات وهيمنة السلطة الفاشية في المكسيك، الا انه يحتال على كل ذلك لتكون خلفية لانتقالاته السردية، التي اتفق تماما مع أحد النقاد الذي وصف اقتفاء كواران لأثر ذكريات طفولته بتقنية مارسيل بروست في "الزمن المفقود"، وإذا كان بروست يسترجع ومضات صباه من خلال صدى الأشياء والأشخاص وربما الرائحة، فالكاميرا هنا هي الراوي، فهي تجوس المكان لتبحث عما يفتح ثغرة في جدار الماضي، فنسترجع الذكرى، وكل هذا لم يكن يحدث، لولا أسلوب صاحب" هاري بوتر الذي يوظف اللقطات المستمرة  الطويلة، والايقاع السردي البطيء لكنه ليس مملا، وحتى الحبكة وان بدت مفككة، لكنها عند كواران لا تعني ضعفا سرديا، فهو يسلحها بمونتاج مبتكر – اسهم في كتابة القصة والسيناريو والمونتاج- ومدير تصوير بارع ، شخصيا أتوقع لـ"روما " الفوز بأكثر من جائزة اوسكار.