رعد أطياف
يمكن القول إن المتشائمين أكثر الناس تفاؤلا بالحياة، ذلك أنهم رغبوا بصورة حالمة للحياة فلم يعثروا عليها، إنهم يحلمون بمباهج ولذائذ كانت تراودهم في الأحلام لكنهم حين استفاقوا لم يجدوا تلك الأمنيات الحلوة، ومن المرجح أن النزعة المتأصلة في أعماق الكائن البشري للسعادة وتجنّب الألم انحرفت عن مسارها، فاسقطت صورة مشوهة لهذه الرغبة واستبدلتها بالتشاؤم، على أية حال، لماذا يقع البعض تحت قبضة التشاؤم؟ لأنه لم يجد تلك الصورة الذهنية التي أسقطها على الحياة، فبقي مأسوراً بحبال التشاؤم، يبدو المتشائم متفائلا من نوع آخر!؛
فهو لا يترك الحياة وشأنها إلا بمزيد من اللذة والوصال والإسراع بالتمتّع بها، ومن ثم هناك وقت واسع لذمّها عن طريق مضاعفة معاناة الناس بكتاباته الأدبية عن التشاؤم!. يسعى المتشائمون - كما يبدو – لحياة نقية من الشوائب وخالية من كل أشكال المعاناة، لذلك نصادف الكثير منهم في حياتنا اليومية وننظر حجم الحساسية التي يمتلكونها وضعف موقفهم تجاه الحياة ومرارتها التي لا تنتهي، ربما هي نزعة للخلود تداعب لاوعي المتشائمين كما لو أنهم سيتعرضون للفناء دون غيرهم، فيتضاعف الأسى في أعماقهم، إن افتراض صورة معينة للحياة يضعنا في حرج شديد ويفاقم من معاناتنا الذهنية، لأن الحياة لا توجد لها صورة مسبقة بقدر ما نصنعها نحن بأفكارنا، من خلال السعي المستمر لعبور حاجز الماضي وقلق المستقبل، يقع الإنسان فريسة لثنائيات تضاعف من معاناته بشكل لافت من خلال الدوران بين طرفي التشاؤم والتفاؤل، أشبه من يقع بين فكيّ كمّاشة لا يمكنه الانفلات منها إلا بالتضحية ببعض أجزاء جسده، إنهم يتقاعسون حتى من رفع معاناتهم ويتثاقلون من أي شيء يعكّر مزاجهم فهم للعزلة أقرب منهم للانفتاح، وعلى الرغم من تشاؤمهم لكنّهم أكثر الناس رغبة لكل ما هو ممتع وبهيج، بعيداً عن تطفّل الآخرين وثرثرتهم التي لا تنتهي، ثمّة معادلة عصّية عن الوصف: في الوقت الذي يذم المتشائمون الحياة بمزيد من الشتائم واللعن المستمر على أقدارهم السوداء التي أوجدتهم في هذا العالم، نجد من الناحية الأخرى ذلك الشغف الواضح لمباهج الحياة وشهواتها الممتعة، تعويضاً منهم للصدمة التي تعرضوا لها بعد أن خسروا الانموذج الذي راهنوا عليه!. لا يمكن مواجهة الحياة بتلك النزعة الطفولية التي تغلب عليها الشكوى والتذمّر والأنانية. النظر إلى معاناة الآخرين بمزيد من العطف والشفقة كفيل بأن يمتص كمية التشاؤم التي نعاني منها، فضلاً عن أن هذا المصير، وأعني به تقلّبات الحياة، مشترك لكل الكائنات فلا ينحصر بفئة المتشائمين دون غيرهم!.